للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأمر الثالث: إذا ساغَ التمذهبُ بمذهب معيَّنٍ ابتداءً، فإنَّه يسوغُ الانتقالُ إليه مِنْ مذهب آخر؛ لعدمِ الفرقِ بين الحالين.

ثانيًا: وُجِدَ عند بعضِ المتمذهبين أقوالٌ في التشديدِ في الانتقالِ عن مذهبِهم إلى غيرِه مِن المذاهب فمثلًا، يقولُ بعضُهم: يجوزُ لغيرِ الحنفي أنْ يتحولَ حنفيًّا، ولا يجوزُ للحنفي أنْ يتحولَ شافعيًّا أو مالكيًّا (١)، أو يقولُ بعضهم: يجبُ التمذهبُ بمذهبِ إمامِنا على الناسِ كافة، ويحرمُ تركُ مذهبِه.

وهذه الأقوالُ ونحوها أقوالٌ مردودةٌ، ينبغي أنْ لا يُلْتَفَتُ إليها، ومنشأها تعصبٌ مذهبي محضٌ (٢)، ولم يزلْ كثيرٌ مِن المحققين مِنْ مختلفِ المذاهبِ ينتقلون مِنْ مذهبِهم إلى مذهبٍ آخر (٣).

يقول عبدُ الحي اللكنوي: "أما ... ما في بعضِ الفتاوي أنَّه يجوزُ للشافعي أنْ يكون حنفيًّا، ولا يجوز العكس، فتعصّبٌ لائحٌ، وتشددٌ واضحٌ، لا يُلْتَفَتُ إليه" (٤).

ولو فُرِضَ وجودُ كلام لبعضِ العلماءِ في التشديدِ في الانتقالِ عن المذهبِ، فإنَّه محمولٌ على مَنْ كان غرضُه مِن الانتقالِ دنيويًّا، ولعل مِنْ أسبابِ تشديدِهم في الانتقالِ هو ما وجدوه مِن بعضِ المتمذهبين الذين تركوا مذاهبَهم، وانتقلوا إلى غيرِها؛ لغرضٍ دنيوي (٥).


(١) انظر: فواتح الرحموت (٢/ ٤٠٦)، وجزيل المواهب للسيوطي (ص/ ٤٤).
(٢) انطر: جزيل المواهب للسيوطي (ص/ ٤٤)، وإرشاد أهل الملة لمحمد المطيعي (ص/ ٢٢٩).
(٣) للاطلاع على بعض العلماء الذين انتقلوا من مذهبهم إلى مذهب آخر، انظر: جزيل المواهب للسيوطي (ص/ ٥٣ وما بعدها)، ونشر البنود (٢/ ٣٥٥)، وإرشاد أهل الملة لمحمد المطيعي (ص/ ٢٣٠)، والنظائر لبكر أبو زيد (ص/ ٩٥ وما بعدها).
(٤) التعليقات السنية على الفوائد البهية (ص/ ٤٢).
(٥) انظر: إرشاد أهل الملة لمحمد المطيعي (ص/ ٢٢٩)، ورسالة في بيان الكتب التي يعول عليها له (ص/٥٢ - ٥٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>