للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

• الموازنة والترجيح:

يرتبطُ الترجيحُ في هذه المسألةِ - مِنْ وجهةِ نظري - بالترجيحِ في مسألةِ: (حكم التمذهبِ بأحدِ المذاهبِ الأربعة) (١) المتقدّم بحثُها، ولأنِّي رجّحتُ جوازَ التمذهب في الجملةِ، فالذي يظهرُ لي في مسألتنا بعدَ النظرِ في الأقوالِ وأدلتها، رَجحانُ القولِ الثاني المجوِّز للمتمذهبِ الخروج عن مذهبه، إذا اطمأنتْ نفسُ المتمذهب إلى القولِ الذي ذَهَبَ إليه، وخلا الخروجُ عن قصدِ التلهي والتشهي؛ وذَلك سدًّا لذريعةِ الخروجِ مِنْ تكليفاتِ الشرعِ.

ويتأكدُ الجوازُ إنْ كانَ خروجُ المتمذهب عن مذهبِه لمسوِّغ أو للاحتياطِ (٢)، أمَّا إنْ ظَهَرَ له رجحانُ مذهبِه، فليسَ له الخروجُ عنه (٣).

وقد رجّحتُ ما سبق؛ للآتي:

أولًا: سلامةُ الإجماعِ الذي استدلَّ به أصحابُ القولِ الثاني، والذي يدلُّ على أنَّ الأصلَ عدمُ لزومِ الاستمرارِ على مذهبِ مجتهدٍ واحدٍ.

ثانيًا: لا فرقَ بين المذاهب الفقهيةِ مِنْ جهةِ جوازِ التمذهبِ بها، وبناءً عليه، فإن الأصلَ في الانتقالَ عنها والخروجِ منها هو الجوازُ.

ثالثًا: أنَّ التزامَ المتمذهبِ بمذهبِه غيرُ ملزِمٍ له؛ لانتفاءِ الدليلِ الشرعي الذي يُلْزِم المتمذهب بالبقاءِ على مذهبِه والاستمرارِ عليه.

رابعًا: لا يبعدُ أنْ يكونَ القولُ بمنعِ المتمذهبِ من الخروجِ عن مذهبِه عند بعضِ القائلين به ناشئًا من التعصبِ المذهبي.

يقولُ الدكتورُ عياض السلمي عن حكمِ المسألةِ: "هذا لا يمكنُ منعه،


(١) انظر: المعيار المعرب للونشريسي (١٢/ ٤٥).
(٢) انظر: صفة الفتوى (ص/ ٣٩)، وسير أعلام النبلاء (٨/ ٩٠).
(٣) انظر: فتاوى تقي الدين السبكي (١/ ١٤٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>