الفروع الجزئية، كنذر الصيام قائمًا في الشمس ساكتًا، وتحريم ما أحل الله من النوم أو لذيذ الطعام أو النساء. وبعد أن بينهما قال:
ولا يتحقق دخول هذا الضرب من البدع (الجزئية) تحت الوعيد بالنار وإن دخلت تحت الوصف بالضلال، كما لا يتحقق ذلك في سرقة لقمة أو التطفيف بحبة وإن كان داخلًا تحت وصف السرقة، بل المتحقق دخول كلياتها كالنصاب في السرقة فلا تكون تلك الأدلة واضحة الشمول لها (أي الجزئية) وهو صريح في جواز دخول التخصيص في الأدلة السابقة، بل قد ادعى وقوعه في بعضها وليس هذا إلا اعترافًا بما قررناه.
وأما ما تقدم من "القاموس" فليس فيه دلالة أيضًا على ما أرادوا، فإنه بعد أن ذكر ما تقدم قال: أو هى ما استحدث بعد النبي صلى عنه عليه وآله وسلم من الأهواء والأعمال. قال شارحه: وهذا قول الليث، وقال ابن السكيت: البدعة كل محدثة، وفى حديث قيام رمضان " نعمت البدعة هذه ".
ثم إنه بعد تسليم كل ما ذكروا من المقدمات والنتائج فهو لا ينفى أن يكون للبدعة معنى آخر غير ما ذكروه بحيث يكون منقسمًا إلى البدعة الحسنة والقبيحة، وقد تركنا من كلامهم كثيرًا مما يمكن مناقشتهم فيه خصوصًا الوجه الثالث من وجوه التعميم، إذ كون متعقل البدعة يقتضى ذلك بنفسه فرع أن يكون معناها ما أرادوا الكلام فيه، وأى مدخلية لإجماع السلف في إطلاق لفض البدعة على معنى عام أو خاص، وهذا مما انبنى على زعم أن الخلاف يرجع إلى الأحكام، ودونه خرط القتاد وشيب الغراب.
حجة الطريقة الثانية: قد علمت محصول ما تدعيه، وأنها لا تقول باستحسان أن يخترع في الدين ما ليس منه، والمحدثات التى قالوا إنها حسنة هى ما ترجع إلى قاعدة شرعية أو دليل شرعى، فحسنها في الحقيقة إنما هو من جهة الشرع وعامة القائلين بذلك هم من جماعة السنة، ومذهبهم أن التحسين والتقبيح شرعيان ولا بدع في اعتبارهم في الشيء أن يكون بدعة مع رجوعه إلى قواعد الشرع أو أدلته، ومع استفادة حسنه من موارد النصوص، فإن بدعيته من حيث أنه بخصوصه لم يرتبط به الدليل الشرعى، ولكنه عمل أحدث ولم يكن في عهد النبوة أو عهد الخلفاء،