للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فنظرًا إلى أنه بعينه لم يكن له دليل سموه بدعة. ومن جهة أنه يرجع إلى قاعدة وجوب أو ندب أو إباحة، قالوا: حسنة وإلَّا فقبيحة. فمثل جمع القرآن والاقتصار على مصحف عثمان وصلاة التراويح واتخاذ المناخل للدقيق من البدع

المستحسنة، أما الأول فلعدم وجود ذلك بهيئته في زمن النبوة، ولاقتضاء الأدلة الشرعية إياها كانت حسنة، أرياب الطريقة الأولى يقولون: إن ما تناولته قواعد الشرع أو أدلته سواء كانت صريحة فيه أم لا فمحال أن يكون من المبتدعات في الدين فكل بدعة قبيحة.

وسند أصحاب الطريقة الثانية في هذا أنهم نظروا في موارد نصوص الشىرع واستعمال أهله من السلف المقتدى بهم، فرأوا أن كثيرًا من استعمالات الشرع يرشد إلى أن كل بدعة مذمومة مثل: " كل بدعة ضلالة "، ومثل: " لا يقبل الله لصاحب بدعة صومًا ولا صلاة ولا صدقة ولا حجًّا ولا عمرة ولا جهادًا ولا صرفًا ولا عدلًا يخرج من الإسلام كما تخرج الشعرة من العجين" رواه ابن ماجه من حديث حذيفة. وخرج عن ابن عباس رضي الله عنهما: " أبى الله أن يقبل عمل صاحب بدعة حتى يدع بدعته " إلى غير ذلك من الآثار الواردة في ذم البدع وأهلها فإنها محتفة بقرائن عموم مثل كلمة كل والوقوع في سياق النفى أو الشرط.

فتبادر إلى الذهن من كثرة هذه الاستعمالات أن البدعة في لسان الشرع تقال بمعنى الحادث المذموم سواء كان ذمه؛ لأنَّه أحدث دينًا وليس منه أم لغير ذلك، لا خصوص الأول. إذ لا دليل عليه كما تقدم تحقيقه، وتأيد هذا المعنى بما تقرر في العرف العام من معنى المبتدع حيث يراد منه معنى الذم، قال في "النهاية ": البدعة بدعتان بدعة هدى وبدعة ضلال، فما كان في خلاف ما أمر الله وبه ورسوله -صلى الله عليه وسلم- فهو في حيز الذم والإنكار، وما كان واقعًا تحت عموم ما ندب الله إليه وحض الله عليه أو رسوله -صلى الله عليه وسلم- فهو في حيز المدح ومن هذا النوع قول عمر رضي الله عنه: "نعمت البدعة هذه" لما كانت من أفعال الخير وداخلة في حيز المدح مدحها، ولما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يسنها لهما وإنما صلاها ليالى ثم تركها، ولم يحافظ عليها، ولا جمع الناس عليها وندبهم إليها سماها بدعة، وهى على الحقيقة سنة لقوله -صلى الله عليه

<<  <   >  >>