وسلم-: " عليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين من بعدى "، وعلى هذا التأويل يحمل الحديث:" كل محدثة بدعة " فيراد به ما خالف أصول الشريعة ولم يوافق السنة وأكثر ما يستعمل المبتدع عرفًا في الذم. انتهى ملخصًا.
وتأيد أيضًا بما في حديث خيثمة عن عبد الله أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:" سيكون من بعدى أمراء يؤخرون الصلاة عن مواقيتها فيحدثون البدعة ". قال
عبد الله بن مسعود: فكيف أصنع إذا أدركتهم؟ قال:" تسألنى يا ابن أم عبد الله كيف تصنع؟ لا طاعة لمن عصى اللَّه": أي في معصيته لا مطلقًا لوجوب إطاعة الأمراء " وإن عصوا فيما ليس بمعصيته ".
وجه الدالالة من هذا الحديث أن المراد من قوله:"فيحدثون البدعة" كما يقتضيه سياق الكلام تأخير الصلاة عن أوقاتها، وظاهر أن الأمراء لم يحدثوا ذلك على أن يكون دينًا لله لعلمهما أنهم لا يطاعون في ذلك، لما علم من الدين ضرورة أن الصلاة كانت على المؤمنين كتابًا موقوتًا. وإنما هذا من تساهلهم وتشاغلهم بمصالح الرعية عن مراسم الدين، فهى معصية ارتكبوها مع علمهم بتحريمها، وسماها بدعة محدثة لفعلهم إياها بحيث يقتدى بهم فيها كما هو الشأن في الأمراء.
ثم نظروا فرأوا أن هناك استعمالات أخرى للشارع وأهله تدل على أن البدعة لها معنى آخر شرعًا يرادف معنى السنة الحادثة خيرًا كانت أو شرًّا، وأن الابتداع بهذا المعنى يساوى معنى التسنين، وهذا كما رواه الترمذى وحسنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لبلال بن الحارث:" اعلم "، قال: ما أعلم يا رسول الله؟ قال:" إنه من أحيا سنة من سنتى قد أميتت بعدى كان له من الأجر مثل من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيئًا، ومن ابتدع بدعة ضلالة لا يرضاها الله ورسوله كان عليه مثل آثام من عمل بها لا ينقص ذلك من أوزار الناس شيئًا ". وخرج أيضًا عن جرير بن عبد الله قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من سن سنة خير فاتبع عليها فله أجره ومثل أجور من اتبع غير منقوص من أجورهم شيئًا، ومن سن سنة شر فاتبع عليها كان عليه وزرها، ومثل أوزار من اتبع غير منقوص من أوزارهم شيئًا ".
وقد تقدم عن عمر رضي الله عنه استعمال البدعة في التراويح، ومثله