من أبى أمامة الباهلي رضي الله عنه، واستعمال ابن عمر كذلك في الضحى فهذه الموارد يتبادر منها أن تكون البدعة بمعنى مطلق السنة الحادثة.
أما الأثر الأول فقوله:" بدعة ضلالة " فإنه إما توصيف أو إضافة والشأن في كليهما أنه تخصيص، وحمله على أنه بيان لا يلزم البدعة خلاف الظاهر، ولم يتقرر بعد أن البدعة لا تكون بمعنى يتناول الممدوح.
ولَمَّا وقع قوله صلى الله عليه وآله وسلم:" من ابتدع بدعة ضلالة … "
الحديث موقع قوله في الأثر الآخر:" ومن سن سنة شر … " الحديث تبادر أن الابتداع يساوى معنى التسنين، وأن البدعة تساوى معنى السنة.
ثم استعمالات عمر ومن معه يتبادر منها أيضًا أن البدعة بمعنى السنة الحادثة مطلقًا، فإن جعله مجازًا غير صحيح كما تقدم في تعريف البدعة، فإما أن يكون ذهابًا إلى المعنى اللغوى وقد تقدم أنه إحداث السنة خيرًا أو شرًّا، أو يكون تقريرًا لمعنى شرعى في البدعة عام يتناول الممدوح غيره. لا سبيل إلى الأول؛ لأن من راجع وجد أنه علم أن لفظ البدعة أو الابتداع الوارد في كلام الشرع وأهله يتبادر منه ما لم يكن في العهد النبوى بحيث يفهم منهما ذلك لا بواسطة قرينة، بل من اللفظ، وهذا يأبى أن يكون مستعملًا في معناه اللغوى وإلَّا لما كان كذلك كما لا يخفى على بصير.
فلهذا جعلوا للفظ البدعة معنى آخر أعم من الأول، وقالوا: إنه مشترك لفظي في لسان الشرع، وقد أثبت المعنى العام كثير من أهل التحقيق وقسموه إلى الممدوح وغيره، منهم الإمام الشافعى رضي الله عنه، فقد روى عنه أبو نعيم أنه قال: البدعة بدعتان: بدعة محمودة بدعة مذمومة فما وافق السنة فهو محمود وما خالفها فهو مذموم كما تقدم. والقاضى عياض رحمه الله وعبارته:"ما أحدث بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم فهو بدعة ". والبدعة فعل ما لم يسبق إليه فما وافق أصلًا من السنة يقاس عليه فهو ممدوح، وما خالف أصول السنة فهو ضلالة، ومنه قوله:" كل بدعة ضلالة ". وذهب إلى هذا الإمام النووى، والشيخ عز الدين ابن عبد السلام وتلميذه العلامة القرافى وكثير من شراح الحديث وعامة الفقهاء الأجلاء.
والمتأمل في كلام الفريقين يرى أنه نزاع في أمر لفظى كما بسطناه لك