والمسألة هينة واضحة ترجع إلى تسمية وإطلاق لفظ فهى من الأمور الظنية التى يكتفى فيها بالظواهر وقد انكشف لك ظهورها هذا.
هذا ويلوح من كلام كثير من العلماء أن ما فعل في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يناله اسم البدعة على كل من الطريقتين وأن ما فعل بعد الخلفاء الراشدين ناله اسم البدعة على تفصيل الطرق فيها وما فعل في عهدهم صح أن يسمى بدعة باعتبار أنه حدث بعد عهد النبوة شأن لا يسمى باعتبار أن سنتهم كسنته بدليل الأمر
بالتمسك بسنتهم وقرنها بها؛ لأنهم رضي الله عنهم فيما سبق إما متبعون لسنة نبيهم عليه الصلاة والسلام وإما متبعون لما فهموا من سنته في الجملة والتفصيل على وجه يخفي على غيرهم لا زائد على هذا. (نعم) قد يخشى أن تكون منسوخة بسنة أخرى فاحتاج العلماء إلى النظر في عمل الخلفاء بعده ليعلموا أن ذلك هو الذى مات عليه النبي صلوات الله وسلامه عليه من غير أن يكون له ناسخ لأنهم كانوا يأخذون بالأحدث فالأحدث من أمره.
والذى يظهر أن مناط البدعة على الطريقة الأولى أن يجعل من الدين ما ليس منه بأن يسلك بها مسلك التشريع، سواء لم يكن في عهده صلى الله عليه وآله وسلم أو كان، بل هذا أشد، والذى يرشد إلى هذا تعريفهم لها بأنها طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه، وتصريحهم بأن البدعة إنما خاصتها أنها خارجة عن كل ما رسمه الشارع.
والظاهر أيضًا أن مبناها على الطريقة الثانية أن تكون أول ما أحدث بأن لم يسبق لها مثال سواء كان ذلك في عهده صلى الله عليه وآله وسلم أم بعده يرشد إليه بيانهم لها بأنها ما أحدث وخالف كتابًا أو سنة أو إجماعًا، بل نقول: ينبغى أن يكون المناط فيها الأولية الإضافية، وليس يجب أن تكون أول على الإطلاق، فمن أحدث خيرًا أو شرًّا في بلد أو قرية أو مجلس: تبعه غيره على ذلك المحدث اعتبر مبتدعًا وسانًا سنة حسنة أو سيئة، وإن كان مسبوقًا بذلك الفعل في غير هذا البلد أو القرية أو المجلس.
يدل على هذا ما رواه ابن المبارك عن حذيفة رضي الله عنه قال: قام سائل على عهد رسول عنه صلى الله عليه وآله وسلام فسأل فسكت القوم،