ثم إن رجلًا أعطاه فأعطاه القوم، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:" من استَنَّ خيرًا فاستُن به فله أجره ومثل أجور من تبعه غير منتقص من أجورهم شيئًا، ومن استَنَّ شرًّا فاستُن به فعليه وزره، ومثل أوزار من تبعه غير منتقص من أوزارهم شيئًا "، وكذا ما أخرجه مسلم من حديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: جاء ناس من الأعراب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليهم الصوف فرأى سوء حالهم قد أصابتهم حاجة فحث الناس على الصدقة فأبطأوا عنه حتى رُئِىَ ذلك في وجهه، قال: ثم إن رجلًا من الأنصار جاء بصرة من ورق، ثم جاء آخر، ثم
تتابعوا حتى عرف السرور في وجهه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:"من سن في الإسلام سنة حسنة فعمل بها بعده كتب له مثل أجر من عمل بها ولا ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعمل بها بعده كتب عليه مثل وزر من عمل بها ولا ينقص من أوزارهم شيء "، وقوله:" من سن في الإسلام … " الحديث، بأن دعا إليها بقول أو فعل أو فعلها فاقتدى به في فعلها كذا يقال في قوله:" سن سنة سيئة ".
وجه الدلالة من الحديثين أن الشارع صلوات الله وسلامه عليه قد اعتبر المبادرة بالصدقة من الأنصاري وغيره من قبيل سن السنة الحسنة معلوم أنهما ليسا أول من تصدق على الإطلاق وإنما ذلك لأنَّه وقع الاقتداء بهما في الصدقة فكان لهما مثل أجر من تصدق بعدهما، حيث كان لهما نية أن يقتدى بهما في ذلك، وعلى قياسه من سن في بلد مثلًا سنة سيئة فتبعه فيها غيره كان عليه وزره، ومثل أوزار من تبعه وإن لم ينو أن يقتدى به في ذلك من حيث أنه سهل للناس طريقها بدليل حديث ابن آدم القاتل فإن الظاهر أنه لم يكن من نيته أن يقتدى به غيره فيه، والظاهر أن الابتداع والتسنين رديفان أو متساريان، فالبدعة والسنة المحدثة كذلك وزيادة في البيان نقول:
ما حدث في عهد الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين إن كان مع الإنكار منهم عليه فبدعة ضلالة، كالخطبة قبل الصلاة في العيدين، فعله مروان بن الحكم وأنكره عليه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه، كما أخرجه عنه البخارى وغيره قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخرج يوم الفطر