ويوم الأضحى فأول شيء يبدأ به الصلاة ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس والناس حوله جلوس على صفوفهم فيعظهم ويوصيهم ويأمرهم، فلم يزل الناس على ذلك حتى خرجت مع مروان وهو أمير المدينة في عيد الأضحى أو فطر، فلما أتينا المصلى إذا منبر بناه كثير بن الصلت، فإذا مروان يريد أن يرتقيه قبل أن يصلى فجبذت بثوبه فجبذنى فارتقع فخطب قبل الصلاة فقلت له: غيرتم والله، فقال: يا أبا سعيد قد ذهب ما تعلم، فقلت: ما أعلم والله خير مما لا أعلم، فقال: إن الناس لم يكونوا يجلسون لنا بعد الصلاة فجعلتها قبل الصلاة ". رأى أن المحافظة على أصل السنة وهو استماع الخطبة أولى من المحافظة على هيئة فيها ليست من شرطها وهذا اجتهاد منه. ولا يجوز اجتهاد
يؤدى إلى مخالفة رسول الله صلوات الله وسلامه عليه؛ لذا أنكره أبو سعيد ومذهب السادة الشافعية لو خطب قبلها لم يعتد بها وأساء، ما فعله مروان فقد أنكره أبو سعيد كما ترى.
وكذلك رفع اليدين للدعاء في الخطبة للجمعة فعله بشر بن مروان وأنكره عليه عمارة، كما أخرجه مسلم وأبو داود وغيرهما عن حصين بن عبد الرحمن قال: "رأى عمارة بن رويبة بشر بن مروان وهو يدعو في يوم جمعة فقال: قبح الله هاتين اليدين لقد رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو على المنبر ما يزيد على هذه يعنى السبابة التي تلى الإبهام" وفيه أن السنة ألا يرفع يديه في الخطبة وبه قال مالك وأصحابنا وغيرهم، وأجابوا عن رفع يديه -صلى الله عليه وسلم- في خطبة الجمعة حين استسقى بأنه كان لعارض.
فإن قلت قد أخرج أبو داود عن مجاهد قال: كنت مع ابن عمر فثوب رجل في الظهر أو العصر فقال ابن عمر: اخرج بنا فإن هذه بدعة. قال العينى: وفي " المبسوط " روى أن عليًّا رضي الله عنه رأى مؤذنًا يثوب للعشاء فقال: أخرجوا هذا المبتدع من المسجد. فمع هذين الأثرين كيف يستحسن كثير من الفقهاء التثويب للناس كلهم في كل الصلوات إلا المغرب، وقال أبو يوسف: يجوز للأمراء وكل من كان مشغولًا بأمور المسلمين -وكرهه قوم إلا في صلاة الفجر فإنهم استحسنوه- ومعنى التثويب: العود إلى الإعلام بعد الإعلام كأن يقول المؤذن بين الأذان والإقامة: