للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من دمها لأنَّه أول من سن القتل " متفق عليه. فسن هنا بمعنى اخترع، فكذا في الحديث الأول، وخرج الترمذى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لبلال بن الحارث: " اعلم قال: أعلم يا رسول الله، قال: " اعلم يا بلال قال: أعلم يا رسول الله، قال: " إنه من أحيا سنة من سنتى قد أميتت بعدى فإن له من الأجر مثل من عمل بها من غير أن ينقص ذلك من أجورهم شيئًا، ومن ابتدع بدعة ضلالة لا ترضى الله ورسوله كان عليه مثل إثم من عمل بها لا ينقص ذلك من آثام الناس شيئًا " حديث حسن. فقوله: " بدعة ضلالة " ظاهر في أن البدع إذا لم تكن ضلالة لا يذم فاعلها. فمجموع الأدلة يفيد أن الابتداع منه الحسن الذى يثاب عليه فاعله، ومنه القبيح الذى يعاقب عليه فاعله، فكيف تذمون البدع على الإطلاق؟.

(والجواب) عن هذه الشبهة أنه ليس المراد الاستنان بمعنى الاختراع، وإنما المراد به العمل بما ثبت من السنة النبوية وذلك لوجهين:

(الأول): أن السبب الذى جاء لأجله الحديث هو الصدقة المشروعة بدليل ما فى الصحيح من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه آله وسلم في صدر النهار، فجاء قوم حفاة عراة مجتابى النمار أو العباء متقلدى السيوف، عامتهم بل كلهم من مضر فتمعر وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما رآهم من الفاقة فدخل ثم خرج فأمر بلالًا فأذن وأقام فصلى ثم خطب فقال: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ … } (١) الآية، والآية التى في سورة الحشر: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ … } (٢) "تصدق رجل من ديناره من درهمه من ثوبه من صاع بره من صاع تمره" حتى قال: " ولو بشق تمرة قال: فجاءه رجل من الأنصار بصرة كادت كفه تعجز عنها، بل قد عجزت، قال: ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثياب حتى رأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتهلل كأنه مذهبة، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " من سن في الإسلام سنة حسنة … " الحديث.

"مجتابى النمار" بكسر النون: جمع نمرة كساء مخطط من صوف، ومعنى مجتابيها: لابسيها قد خرقوها في رءوسهم.

"والجوب" القطع، " فتمعر "


(١) [سورة النساء: الآية ١].
(٢) [سورة الحشر: الآية ١٨].

<<  <   >  >>