للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لكل صلاة. فترى أن زيادة عثمان هى جعله أذانًا على الزوراء للحاجة إليه وهو يعلم أن وضعه هناك ليس ممنوعًا ما دام لم يخترع له ألفاظا ولم يحدث فيه شيئًا ولم يثبت أن الأذان على مكان مخصوص من الأُمور التعبدية، فاختيار المكان من الأمور الاجتهادية وهو أحد الخلفاء الراشدين المتبعين، وقد أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم باتباع سنتهم والجرى على طريقتهم فقال: " عليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين المهديين " هذا أهم ما ورد على الباب من الشبه وبالله تعالى التوفيق.

وقد ينكر المرشد بدعة فيقول فاعلها مثلًا: (هذه بدعة مستحسنة) والاستحسان لغة عد الشئ حسنًا، وسيأتى معناه في الاصطلاح -فنقول: إن الاستحسان عند القائلين به لا يصلح حجة للمبتدع- بيان ذلك أنه قد اختلف العلماء في الاستحسان، فمنهم من أثبت حجيته واعتبره أصلًا من أُصول الأحكام وهم الحنفية، ومنهم من نفاها فلم يعتبره أصلًا من أصولها وهم من عداهم كذا في جمع الجوامع.

قال المحقق الشاطبي ما ملخصه: وأما الاستحسان فلأهل البدع أيضًا تعلق به، والمستحسن إما الشرع وإما العقل، أما الشرع فاستحسانه واستقباحه قد فرغ منهما، لأن الأدلة اقتضت ذلك فلا فائدة لتسميته استحسانًا ولا لوضع ترجمة له زائدة على الكتاب والسنة والإجماع وما ينشأ عنها من القياس والاستدلال، فلم يبق إلَّا العقل وهو المستحسن، فإن كان بدليل فلا فائدة لهذه التسمية لرجوعه إلى الأدلة لا إلى غيرها، وإن كان بغير دليل فذلك هو البدعة التى تستحسن، ويشهد لذلك قول من قال في الاستحسان: إنه ما يستحسنه المجتهد بعقله ويميل إليه برأيه، قالوا: وهو عند هؤلاء من جنس ما يستحسن في العوائد وتميل إليه الطباع، فيجوز الحكم بمقتضاه إذا لم يوجد في الشرع ما ينافيه وإلَّا فلا. فهو ينقسم إلى حسن وقبيح إذ ليس كل استحسان حقًّا. وقد استدل المثبتون له بثلاثة أدلة: الكتاب والسنة والإجماع.

(فالأول): قول الله تعالى: {وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} (١). وقوله تعالى: {فَبَشِّرْ عِبَادِ (١٧) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ … } (٢). وجه الدلالة: أن الأحسن


(١) [سورة الزمر: الآية ٥٥].
(٢) [سورة الزمر: الآيتان ١٧، ١٨].

<<  <   >  >>