للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هو ما تستحسنه عقودهم.

(والثانى): قوله صلى الله عليه وآله وسلم: " ما رآه المسلمون حسنًا فهو عند اللَّه حسن " وإنما يعنى بذلك ما رأوه بعقولهم، وإلَّا لو كان حسنه بالدليل الشرعى لم يكن من جنس مما يرونه؛ إذ لا مجال للعقول في التشريع على ما زعمتم، فلم يكن للحديث فائدة. فدل على أن المراد ما رأوه برأيهم.

(والثالث): أن الأُمة قد اجتمعت على استحسان دخول الحمام مثلًا من غير تقدير أجرة ولا تقدير مدة اللبث ولا تقدير الماء المستعمل ولا سبب لذلك إلّا أن المشاحة في مثله قبيحة في العادة فاستحسن الناس تركه مع أنا نقطع بأن الإجارة المجهولة أو مدة الاستئجار أو مقدار المشترى إذا جهل فإنه ممنوع وقد استحسنت إجارته مع مخالفة الدليل، فأولى أن يجوز إذا لم يخالف دليلًا ثم قال في ردها:

(أما الدليل الأول): فلا متعلق به، فإن أحسن ما أنزل إلينا إنما هو الأدلة الشرعية وخصوصًا القرآن فإن الله تعالى يقول: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا … } (١) الآية. وجاء في صحيح مسلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال في خطبته:

"أما بعد، فإن أحسن الحديث كتاب اللَّه" فيفتقر أصحاب الدليل أن يبينوا أن ميل الطباع أو أهواء النفوس ممَّا أنزل الله إلينا فضلًا عن أن يكون من أحسنه، وقوله تعالى: {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} (٢) يحتاج إلى بيان: أن ميل النفوس يسمى قولًا وحينئذ ينظر إلى كونه أحسن القول كما تقدم وهذا كله فاسد. ثم إننا نعارض هذا الاستحسان بأن عقولنا تميل إلى إبطاله وأنَّه ليس بحجة وإنما الحجة الأدلة الشرعية المتلقاة من الشرع، وأيضا فيلزم عليه استحسان العوام ومن ليس من أهل النظر إذا فرض أن الحكم يتبع مجرد ميل النفوس وهوى الطباع وذلك محال للعلم بأنه مضاد للشريعة فضلًا عن أن يكون من أدلتها.

(وأما الدليل الثانى): فلا حجة فيه من أوجه:

(أولها): أن ظاهره يدل على أن ما رآه المسلمون حسنًا فهو حسن والأُمة لا تجتمع على باطل، فاجتماعهم على حسن شيء يدل على حسنه شرعًا؛ لأن الإجماع يتضمن


(١) [سورة الزمر: الآية ٢٣].
(٢) [سورة الزمر: الآية ١٨].

<<  <   >  >>