دليلًا شرعيًّا فالحديث عليكم لا لكم. وحاصل هذا الوجه أن الحديث إشارة إلى إجماع المسلمين والإجماع حجة ولا يكون إلَّا على دليل فكان الحسن بالدليل الشرعى لا بالاستحسان.
(وثانيها): أنه خبر واحد في مسألة قطعية فلا يسمع -أي أن المستدل يريد أن يثبت بالحديث المذكور أن الاستحسان حجة من حجج الدين- فلابد أن يأتى على ذلك بدليل قطعى ودليله المذكور آحاد، إن سلم من الطعن فلا يفيد إلَّا ظن أن الاستحسان حجة وليس مدعاه، بل مدعاه القطع بأنه حجة، فدليله لا ينتج مدعاه، نقول في هذا الوجه نظر: فإنا لا نسلم أن حجية الاستحسان قطعية، بل ظنية؛ لأن المقصود منها العمل، والدلائل الظنية كافية في المطالب العملية.
(وثالثها): أنه إذا لم يرد به أهل الإجماع وأريد بعضهم أن يلزم عليه استحسان العوام وهو باطل إجماعًا، لا يقال: إن المراد استحسان أهل الاجتهاد لأنا نقول هذا ترك للظاهر فبطل الاستدلال، ثم إنه لا فائدة في اشتراط الاجتهاد؛ لأن المستحسن بالفرض لا ينحصر في الأدلة، فأى حاجة إلى اشتراط الاجتهاد.
(وأما الدليل الثالث): فلا نسلم أن استحسانهم لذلك هو الدليل على صحته، بل الدليل ما دل على استحسانهم له وهو جريان ذلك في زمن النبي صلى الله عليه
وآله وسلم مع علمه به وتقريره لهم عليه، أو في زمن الصحابة من غير نكير، أي إن كانت هذه العادة ثابتة في زمنه عليه الصلاة والسلام فقد ثبت الحكم بالسنة لا بالاستحسان، وإن كانت في عصر الصحابة من غير إنكار منهم فقد ثبت الحكم بالإجماع لا بالاستحسان. فالحاصل أن تعلق المبتدعة بمثل هذه الأُمور تعلق بما لا يغنيهم ولا ينفعهم ألبتة. انتهى باختصار وإيضاح.
وإليك شرح هذه الآيات الكريمة لتكون في هذا المقام على بصيرة:
أخبر -جَلَّ شَأْنه- أن الذين أعرضوا عن عبادة الأوثان وأقبلوا على عبادته تعالى دون سواه لهم البشرى بحسن الحال في الحياة الدنيا وفى الآخرة، وأمر النبي صلوات عنه وسلامه عليه