أن يعلم بهذه البشرى عباده الذين يستمعون القول الحق من كتاب الله وسنة رسوله فيتبعون أحسنه وهم أنفسهم الموصوفون بالاجتناب والإنابة، عبر عنهم بالظاهر بدل الضمير تشريفًا لهم بالإضافة ودلالة على أن علة اتصافهم بهذين الوصفين العظيمين كونهم نقادًا في الدين يميزون الحق من الباطل ويقدمون الأفضل على الفاضل كإبراء المعسر خير من إنظاره، والصيام للمسافر الذى لا يشق عليه الصيام خير من الإفطار، فإذا عرض لهم واجب ومندوب آثروا الأل على الثانى، أو عزيمة ورخصة أخذوا بالعزيمة دون الرخصة، أو القصاص والعفو، والانتصار، والإغضاء طلبًا أها هو أقرب عند الله وأعظم أجرًا، ولهذه النفوس العالية وتلك الأخلاق الفاضلة أثنى الله تعالى عليهم بأنهم الذين هداهم الله للدين الحق، وأنهم أصحاب العقول السليمة من تسلط الوهم ومنازعة الهوى، المستحقون لتوفيق الله تعالى وهدايته دون سواهم.
أحسن الحديث، لما له من التأثير في النفوس والسلطان على الأرواح، وسماه حديثًا؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يحدث به قومه ويخبرهم بما ينزل عليه منه -كتابًا بدل منه- متشابهًا يشبه بعضه بعضًا صفة. {مَثَانِيَ} جمع مثنى مردد ومكرر صفة ثانية له. ذكر سبحانه بعض أو صاف هذا الكتاب الكريم بكونه متشابه المعانى في الصحة والإحكام والابتناء على الحق والصدق والاشتمال على منافع الناس في الدارين، ومتناسب الألفاظ في الفصاحة ومتانة الأسلوب، وبلوغه حد الإعجاز، وبكونه مثانى لما ثنى فيه من القصص والأنباء والأحكام والأوامر والنواهى والوعد والوعيد والمواعظ. ثم بيَّن سبحانه آثاره في نفوس سامعيه لتقرير كونه أحسن الحديث، وأن أهل الخشية إذا سمعوا ما فيه من آيات الوَعِيد أصابتهم هيبة وخشية تنقبض منها قلوبهم