تعيين قدره وجواز استئجار الأجير بطعامه وإن كان لا ينضبط مقدار أكله ليسار أمره وخفة خطبه وعدم المشاحة فيه، وكذا أيضًا الظئر بأجر معين التعامل الناس والعرف، هذا استحسان لأنها ترد على إستهلاك العين وهو اللَّبن وذا مخالف لقياس الإجارة (فيقال فيه): إن أردتم بالعادة ما اتفقت عليه الأُمة من أهل الحل والعقد فهو حق، وهو يرجع إلى الاستدلال بالإجماع، وإن أريد بها عادة من لا يحتج بعادته كالعادات المستحدثة للعامة فيما بينهم فذلك ممَّا لا يمتنع ترك الدليل الشرعى به. انتهى بإيضاح.
وقال الإمام النسفى في "متن المنار": والاستحسان يكون بالأثر، والإجماع، والضرورة والقياس الخفى، كالسلم، والاستصناع، وتطهير الأوانى وطهارة سؤر سباع الطير، ثم قال في شرحه: الاستحسان لغة وجود الشيء حسنًا، يقال: استحسنته: اعتقدته حسنًا، واستقبحته: اعتقدته قبيحًا. وشرعًا اسم لدليل يعارض القياس الجلى، فكأنهم سموه بهذا الاسم لاستحسانهم ترك القياس بدليل آخر فوقه، وذا قد يكون:
١ - نصًّا كما في السلم، فإن القياس يأبى جوازه؛ لأن المعقود عليه معدوم عند العقد وإنما تركوه بالنص وهو قوله صلوات الله وسلامه عليه:" من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم" متفق عليه.
والإجارة، فإنها بيع المنفعة وهى معدومة فكان القياس عدم جوازها وإنما جوزوها بالنص وهو قوله صلوات الله وسلامه عليه:" أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه ".
وبقاء الصوم مع الأكل ناسيًا إذ القياس يقتضى فساده؛ لأن الشيء لا يبقى مع فوات ركنه، وإنما بقوه بقوله صلوات الله وسلامه عليه:"من نسى وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه" متفق عليه. والنص فوق الرأى (القياس) فاستحسنوا تركه به.
٢ - وقد يكون إجماعًا كما في الاستصناع فيما فيه تعامل، فإن القياس يأبى جوازه؛ لأنَّه بيع عين يعمله وهو معدوم الحال، والقياس الظاهر ألَّا يجوز بيع الشيء إلَّا بعد تعينه حقيقة، وأنما تركوه بالإجماع