وهو تعامل الأمة من غير نكير، والإجماع دليل فوق الرأى، فاسحسنوا تركه به.
٣ - وقد يكون ضرورة كما في طهارة الحياض والآبار والأوانى بعدما تنجست فإن القياس يأبى طهارتها؛ لأن الدلو ينجس بملاقاة الماء فلا يزال يعود وهو نجس، ولأن نزع بعض الماء لا يؤثر في طهارة الباقى، وكذا خروج بعضه عن الحوض، وكذا الماء ينجس بملاقاة الآنية النجسة والنجس لا يفيد الطهارة، فاستحسنوا ترك العمل بموجب القياس للضرورة، فإن الحرج مدفوع بالنص وفى موضع الضرورة يتحقق معنى الحرج لو أخذ بالقياس.
٤ - وقد يكون قياسًا خفيًّا كما في سؤر سباع الطير كالصقر والحدأة والغراب فإنه في القياس نجس؛ لأنَّه سؤر ما هو سبع مطلق فكان كسؤر سباع البهائم كالذئب والضبع والنمر، وهذا معنى ظاهر الأثر؛ لأنهما يستويان في حرمة الأكل فيستويان في نجاسة السؤر. وفى الاستحسان: هو طاهر؛ لأن السبع ليس بنجس العين بدليل جواز الانتفاع به شرعًا كالأصطياد والبيع تجارة وجواز الانتفاع بجلده وعظمه، ولو كان نجس العين لما جاز كالخنزير، وسؤر سباع البهائم إنما كان نجسًا باعتبار حرمة الأكل لأنها تشرب بلسانها وهو رطب من لعابها، ولعابها يتولد من لحمها وهذا لا يوجد في سباع الطير؛ لأنها تأخذ الماء بمنقارها ثم تبتلعه، ومنقارها عظم وعظم الميتة طاهر فعظم الحى أولى، فصار هذا الاستحسان وإن كان باطنًا أقوى من القياس وإن كان ظاهرًا. انتهى بإيضاح.
ومن أمثلة العمل بالاستحسان وترك القياس عند الحنفية قتل الجماعة بالواحد عملًا بالاستحسان والقياس عدم القصاص؛ لأن المعتبر فيه المساواة ولا مساواة بين العشرة والواحد ببداهة العقل، لكنهم تركوا هذا القياس بما روى أن سبعة من أهل صنعاء قتلوا رجلًا فقضى عمر رضى الله تعالى عنه عليهم بالقصاص، وقال:" لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم به " والتمالؤ: التعاون.
وروى عن علي رضي الله عنه:" أنه قتل ثلاثة بواحد "، وعن ابن عباس رضي الله عنهما:" أنه قتل جماعة بواحد ". وكانت الصحابة