ينكر عليهم أحد فحل محل الإجماع، ولأن القتل بطريق التغالب فساد غالب، فإن القتل بغير حق لا يتحقق غالبًا إلَّا بالاجتماع؛ لأن الواحد يقاوم الواحد، وما غلب وقوعه من الفساد يوجب مزجرة فوجب القصاص تحقيقًا لحكمة الإحياء، إذ لو لم يجب لما عجز المفسد عن أن يجمع عليه أمثاله ويقتل، لعلمه أن لا قصاص، فيؤدى إلى سد باب القصاص، وغير ذلك كثير.
وبما ذكرنا تبين لك أنه لم يبق للاستحسان معنى يصلح للنزاع؛ لأن منه ما هو باطل بالاتفاق وهو الاستحسان بالهوى والشهوة، ومنه ما هو محتج به بالاتفاق وهو ما يرجع إلى تقديم الراجح على الرجوح والقوى على الضعيف، ومنه ما هو دائر بين المقبول اتفاقًا والمردود اتفاقًا فلا يخرج عنهما وهو الدليل الذى ينقدح في نفس المجتهد وتقصر عنه عبارته، وعلى هذا فالخلاف بين مثبته ونافيه لفظى.
فإن القائلين بالاستحسان يريدون به ما هو أحد الأدلة الأربعة، والقائلين بأن من استحسن فقد شرع، يريدون أن من أثبت حكمًا بأنه مستحسن من غير دليل عن الشارع فهو المشرع لذلك الحكم حيث لم يأخذه عن الشارع، كما يعلم هذا من إمعان النظر في كلام كل من الفريقين فلا وجه لتمسك أهل البدع بباب الاستحسان، وقول بعضهم:(هذه بدعة مستحسنة) إن أراد أن الذى استحسنها هو العقل مع مخالفتها ما رسمه الشرع فقد سبق الإجماع على بطلان ذلك في الدين، وإن أراد أنه العمل بالأدلة (وهى المعول عليه) وأن مقتضى الأدلة استحسانها طولب بالأدلة، فإن أقامها على حسنها خرجت من البدع ودخلت في السنن والله ولى التوفيق.
وقد يقول المرشد: إن هذا العمل بدعة ولم تصح نسبته إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والحديث المروى فيه ضعيف، فيقول البعض:(إن الحديث الضعيف يعمل به في فضائل الأعمال) فهل هذا القول على إطلاقه صواب؟ نقول: قال المحقق الشاطبى في " الاعتصام " ما ملخصه:
إن للراسخين طريقًا يسلكونها في اتباع الحق، وإن الزائغين على طريق غير طريقهم، فاحتجنا إلى بيان الطريق التى سلكها هؤلاء لنتجنبها، وهى