للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

متشعبة لا يمكن حصر مآخذها، لكنا نذكر من ذلك أوجهًا كلية يقاس عليها ما سواها:

(فمنها): اعتمادهم على الأحاديث الواهية الضعيفة والمكذوب فيها على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والتى لا يقبلها أهل صناعة الحديث في البناء

عليها، كحديث الاكتحال يوم عاشوراء، وإكرام الديك الأبيض، وأكل الباذنجان بنية، وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- تواجد واهتز عند السماع حتى سقط الرداء عن منكبيه، فإن إمثال هذه الأحاديث لا يبنى عليهما حكم ولا تجعل أصلًا في التشريع أبدًا ومن جعلها كذلك فهو جاهل ومخطئ في نقل العلم؛ وإنما أخذ بعض العلماء بالحديث الحسن لإلحاقه عند المحدثين بالصحيح، وكذلك أخذ بعضهم بالمرسل حيث ألحق بالصحيح في أن المتروك ذكره كالمذكور والمعدل، فأما ما دون ذلك فلا يؤخذ به بحال عند علماء الحديث ولا يعنون (حدثنى فلان عن فلان) مجودًا، بل يريدون ذلك لما تضمنه من معرفة الرجال حتى لا يسند عن مجهول ولا مجروح ولا متهم إلَّا عمن تحصل الثقة بروايته؛ لأن روح المسألة أن يغلب على الظن من غير ريبة أن ذلك الحديث قد قاله النبي -صلى الله عليه وسلم- لنعتمد عليه في الشريعة ونسند إليه الأحكام، والأحاديث الضعيفة الإسناد لا يغلب على الظن أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قالها فلا يمكن أن يسند إليها حكم فما ظنك بالأحاديث المعروفة الكذب.

وما روى عن أحمد بن حنبل من أنه قال: (الحديث الضعيف خير من القياس) وظاهره يقتضى العمل بالحديث غير الصحيح لأنَّه قدمه على القياس المعمول به عند جمهور المسلمين: فليس المراد بالضعيف عنده الباطل ولا المنكر ولا ما في روايته متهم بحيث لا يسوغ الذهاب إليه فالعمل به، بل الضعيف عنده قسيم الصحيح وقسم من أقسام الحسن ولم يكن يقسم الحديث إلى صحيح وحسن وضعيف، بل إلى صحيح وضعيف وللضعيف عنده مراتب، وأن أول من قسم الحديث إلى ثلاثة أقسام: صحيح وحسن وضعيف الترمذى، وأن الضعيف الذى يرجحه أحمد على الرأى هو الحسن عند الترمذى ومن اختار تقسيمه.

فإن قال قائل هذا كله رد على الأئمة الذين اعتمدوا على الأحاديث التى لم تبلغ درجة الصحيح، فإنهم كل كما نصوا على اشتراط صحة الإسناد

<<  <   >  >>