الرأى المبنى على الهوى وهو أبدع البدع وأفحشها، كالرهبانية المنفية عن الإسلام، والخصماء لمن خشى العنت، والتعبد بالقيام في الشمس أو بالصمت من غير كلام أحد، فالترغيب في مثل هذا لا يصح إذ لا يوجد في الشرع ولا أصل له يرغب في مثله أو يحذر من مخالفته.
والثالث ربما يتوهم أنه كالأول من جهة أنه إذا ثبت أصل عبادة في الجملة فيسهل في التفصيل نقله من طريق غير مشترط الصحة، فمطلق التنفل بالصلاة
مشروع، فإذا جاء ترغيب في ليلة النصف من شعبان فقد عضده أصل الترغيب في صلاة النافلة. وكذلك إذا ثبت أصل صيام ثبت صيام السابع والعشرين من رجب وما أشبه ذلك. (وليس كما توهموا) لأن الأصل إذا ثبت في الجملة لا يلزم إثباته في التفصيل، فإذا ثبت مطلق الصلاة لا يلزم منه إثبات الظهر والعصر أو الوتر أو غيرها حتى ينص عليها على الخصوص. وكذلك إذا ثبت مطلق الصياع لا يلزم منه إثيات صوم رمضان أو عاشوراء أو شعبان أو غير ذلك حتى يثبت بالتفصيل بدليل صحيح. ثم ينظر بعد ذلك في أحاديث الترغيب والترهيب بالنسبة إلى ذلك العمل الخاص الثابت بالدليل الصحيح.
وليس فيما ذكر في السؤال شيء من ذلك إذ لا ملازمة بين ثبوت التنفل الليلى والنهارى في الجملة، وبين قيام ليلة النصف من شعبان يكذا وكذا ركعة يقرأ في كل ركعة منها بسورة كذا على الخصوص كذا وكذا مرة، ومثله صام اليوم الفلانى من الشهر الفلاني حتى تصير تلك العبادة مقصودة على الخصوص ليس شيء من ذلك ما يقتضيه شرعية التنفل بالصلاة أو الصيام.
والدليل على ذلك أن تفضيل يوم من الأيام، أو زمان من الأزمنة بعبادة ما يتضمن حكمًا شرعيًّا فيه على الخصوص، كما ثبت لعاشوراء مثلًا أو لعرفة أو لشعبان مزية على مطلق التنفل بالصيام، فإنه ثبت له مزية على الصيام في مطلق الأيام، فتلك المزية اقتضت مرتبة في الأحكام أعلى مر غيرها بحيث لا تفهم من مطلق مشروعية التنفل بالصيام؛ لأن مطلق المشروعية يقتضى أن الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة في الجملة، وصيام يوم عاشوراء يقتضى أنه يكفر السنة التى قبله فهو أمر زائد على مطلق المشروعية،