للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لأحكامها فالمخاطب بهذا كافة المسلمين، فهم المكلفون أن يختاروا منهم طائفة تقوم بهذه الفريضة فهنا فريضتان إحداهما على جميع المسلمين، والثانية على الجماعة الذين يختارونها للدعوة، وقال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} (١)، وقال تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ

الْمُنْكَرِ} (٢)، وقال تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (٧٨) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} (٣). فقذف عليهم اللعنة وهى أشد ما عنون الله به عن مقته وغضبه، فالملعون منه تعالى هو المحروم من لطفه وعنايته، المطرود عن باب رأفته ورحمته، وقد كان داود عليه السلام لعن المعتدين عامة والذين اعتدوا في السبت خاصة، ثم لعنهم عيسى عليه السلام وكان سبب ذلك اللعن من الله تعالى الذى طال أمده، عصيانهم له تعالى واعتداءهم المستمر، وقد بين - جَلَّ ثَنَاؤه - ذلك العصيان، وسبب استمرارهم على الخروج عن حدود الله بأنهم كانوا لا ينهى بعضهم بعضًا عن منكر ما من المنكرات مهما اشتد قبحه وعظم ضرره، والنهى عن المنكر حفاظ الدين وسياج الآداب والكمالات، فإذا أهمل تجرأ الفساق على إظهار الفسوق والفجور بلا مبالاة، ومتى صار العامة يرون المنكرات بأعينهم ويسمعونها بآذانهم تزول عنهم وحشتها وقبحها من نفوسهم، ثم يتجرأ الكثيرون على ارتكابها، ذلك كان شأن القوم ودأبهم الذى اعتادوه، وأصروا عليه، ذكره الله للمؤمنين عبرة لهم حتى لا يفعلوا فعلهم فيكونوا مثلهم، ويحل بهم من لعنة الله وغضبه ما حل بهم، وعن أبى سعيد الخدرى رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وهذا أضعف الإيمان" رواه مسلم.

بدأ باليد لأنها أقوى في إزالة المنكر، كإراقة الخمر وكسر آنيته وآلات اللهو والحيلولة بين الظالم والمظلوم، ورد المغصوب إلى مالكه، فإن عجز عن الإنكار باليد بأن خاف لحوق ضرر ببدنه أو أخذ مال أو إتلافه أنكر بالقول الذى يرجى نفعه كصياح واستغاثة وأمر من يفعل ذلك


(١) [سورة آل عمران: الآية ١١٠].
(٢) [سورة التوبة: الآية ٧١].
(٣) [سورة المائدة: الآيتان ٧٨، ٧٩].

<<  <   >  >>