وتوبيخ وتذكير بالله تعالى وأليم عقابه مع شدة أو لين بحسب ما يقتضيه الحال، وقد يبلغ بالرفق والسياسة ما لا يبلغ بالسيف والرياسة، فإن عجز عن إزالته بالقول أنكره بقلبه بالكراهة للمنكر وظهور ذلك على جوارحه مع العزم على إزالته فعلًا أو قولًا متى قدر؛ لأنَّه يجب كراهة المعصية فالراضى بها شريك الفاعل، والإنكار بالقلب عند العجز عنه بغيره أقل آثار الإيمان وثمراته في
النفع؛ لأن مجرد كراهته له بقلبه لا يحصل بها زوال مفسدة المنكر المطلوب إزالته، فهو قاصر بخلافه باليد واللسان فإنه متعد لأنَّه كراهة وإزالة.
وأبلغ آثار كراهته للمنكر مقاطعة فاعله وترك مجالسته ومعاملته وإقرائه السلام والرد عليه، يدل لهذا فعله صلوات الله وسلامه عليه وأصحابه رضي الله عنهم مع الثلاثة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك بغير عذر وهم: كعب بن مالك، ومرارة بن الربيع، وهلال بن أمية فإنه صلى الله عليه وآله وسلم أعرض عنهم وأمر الصحابة أن يهجروهم ولا يكلموهم فلبثوا على ذلك خمسين ليلة حتى اشتد بهم الحزن والأسف والندم على ما كان منهم فتابوا وأنابوا فقبلهم الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -.
وعن حذيفة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:"والذى نفسى بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن اللَّه أن يبعث عليكم عقابًا منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم" رواه الترمذى وقال: حديث حسن.
وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:"مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فصار بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها وكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقًا ولم نؤذ من فوقنا فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعًا وإن أخذوا على أيديهم نَجَوْا وَنَجَوْا جميعًا" رواه البخارى.
"القائم في حدود اللَّه" معناه: المنكر لها القائم في دفعها وإزالتها، "والحدود": ما نهى الله عنه، "واستهموا": اقترعوا و"نجوا": أي الآخذون في أنفسهم، و"نَجَّوْا" بالتشديد: أي نجوا المأخوذين الممنوعين، وهكذا إقامة الحدود يحصل لمن أقامها وأقيمت عليه وإلَّا