للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هلك العاصى بمعصيته والساكت بالرضا بها، وفيه وقوع الجميع في العقوبة بترك الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر

ثم إن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر واجبان على الكفاية عند استيفاء الشروط، وقد يتعين إذا لم يعلم بالمنكر سواه أو لم يقدر على إزالته غيره، هذا غير الإنكار بالقلب، أما هو فواجب عينًا لأن معناه كراهة المعصية ومن أحب معصية وإن لم يحضرها فهو آثم (وقد يندبان وقد يحرمان) وشروط الوجوب قدرة وتجويز فائدة وإن لم تكن الامتثال مثل كسر جاه الفاسق، وخشية أن يتعود النشء فعل المنكر، وترغيب الطائعين في امتثال الأمر واجتناب النهى، ومثل رجاء أن يتذكر

ويتعظ فلا يقع المكروه بعد ذلك، وأن لا يخاف مكروهًا يناله، وأن يعرف وصف ما يأمر به وينهى عنه من أنه واجب معين أو مخير، مضيق أو موسع، عين أو كفاية، وكذا في المنهى، وأن لا يترتب عليهما محظور آخر.

فإذا لم تتوفر هذه الشروط فقد يحرمان كما إذا ترتب عليهما ضرر أعظم، وقد يندبان كما إذا لم تفهر لهما فائدة أصلًا.

ولا يعارض الوجوب قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} (١) لأن معناها: أنكم إذا فعلتم ما كلفتم به فلا يضركم تقصير غيركم مثل قوله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (٢) وممَّا كلفنا به الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فإذا فعله ولم يمتثل المخاطب فلا عتب عليه بعد ذلك لأنَّه أدى ما عليه فإن الذى عليه القول، لا القبول، قال تعالى: {مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ} (٣)، وقال تعالى: {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ} (٤) ومن شروط الوجوب عند السادة المالكيةَ أن يعلم أو يظن أن إنكاره يزيل المنكر، وأن أمره بالمعروف مؤثر ونافع، فإذا لم يعلم أو يظن تأثيره فلا وجوب أفاده العلامة الخرشى شارح المختصر، ومثله في "الفروق للإمام" القرافى قال: الشرط الثالث أن يغلب على ظنه أن إنكاره المنكر مزيل له وأن أمره بالمعررف مؤثر في تحصيله، فإذا عدم هذا الشرط يسقط الوجوب ويبقى الجواز والندب، وقريب منه ما في "الكشاف" قال: شرط النهى ألا يغلب على ظنه أن النهى لا يؤثر لأنَّه عبث. اهـ.

وفى هذا يسر وسعة، وقد ورد في الحديث ما يستدل به على سقوط الأمر


(١) [سورة المائدة: الآية ١٠٥].
(٢) [سورة الأنعام. الآية ١٦٤].
(٣) [سورة المائدة: الآية ٩٩].
(٤) [سورة الرعد: الآية ٤٠].

<<  <   >  >>