وقد يجتمع عدد منهم على منارة واحدة مثلًا فيقرءون هذه الآيات بالإدارة ويتنازع الاثنان أو الأكثر الآية الواحدة أو يتلقف رجل آية والآخر آية أخرى. وقراءة القرآن على هذا الوجه لا خلاف في أنها بدعة محدثة والجمهور على أنها بدعة مكروهة، فإنها بمنزلة الاختلاس والنهبة (١) وليس فيها خشوع ولا تدبر للقرآن، والسنة في قراءته أن تكون بحزن وخشوع وسكون فيكره التبرير من هذه الجهة.
وفيه بدعة أخرى مكروهة: وهى التلحين في القراءة تلحين الغناء لمنعه من فهم النظم الكريم، كما قيل: من تلذذ بألحان القرآن حرم فهم القرآن. أما كون التلحين بدعة فلا نزاع فيه، وأما كراهته فهى مختار الجمهور من الأئمة، ونص عليه الإمام مالك والشافعى وأحمد رضي الله عنهم قالوا: لخروجها عما جاء القرآن له من الخشوع والتفهم. قال القاضى عياض: وأباحها أبو حنيفة رحمه الله وجماعة من السلف لحديث أبى هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "ما أذن اللَّه لشئ ما أذن لنبى حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به" متفق عليه. "أذن الله": أي استمع وهو إشارة إلى الرضا والقبول، "يجهر به"، قيل تفسير لقوله: يتغنى، وقال الشافعى رحمه الله: معناه تحسين القراءة وترقيقها ويشهد له الحديث الآخر: "زينوا القرآن بأصواتكم": أي بالمد والترتيل. وكل من رفع صوته ووالاه فصوته عند العرب غناء، ولأن ذلك سبب للرقة وإثارة الخشية وإقبال النفوس على استماعه.
هذا ما لم يؤد إلى تمطيط فاحش وتغن زائد وإخراج الحروف عن أوضاعها العربية حتى يقع النقص والزيادة في القرآن ويختل نظمه وإلَّا فهو حرام بالإجماع كما نقله النووى والماوردى وغيرهما. فالتبرير إذا خرج إلى هذا الحد حرم وإلَّا فهو مكروه لما ذكرنا ولأنه يؤدى إلى هذه المفسدة.
وأيضًا فالقصد منه إن كان الإعلام بموت عالم فالإعلام بالنداء ورفع الصوت مكروه عند بعض الفقهاء، وعلى القول بعدم كراهته حيث لم