للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الكتاب ومثله معه" (١). وقوله: {تَوَلَّوْا} بحذف إحدى التاءين عام لمن يقع عليه الخطاب من عباده.

والمعنى: أنه قد حمل أداء الرسالة وتبليغها، وحملتم طاعته والانقياد له والتسليم {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} (٢)، أخبر - جلَّ ثناؤه - أن الهداية في طاعة الرسول لا في غيرها، فإنه معلق بالشرط فينتفى بانتفائه وليس عليه إلَّا البلاغ والبيان الواضح لاهتدائكم وتوفيقكم، ففى صحيح البخارى عن الزهرى: فإن تطيعوه فهو حظكم وسعادتكم، وإن لم تطيعوه فقد أدى ما حمل وما عليه إلَّا البلاغ. وحكى الإمام الشافعى رضي الله عنه إجماع الصحابة والتابعين ومن بعدهم على أن من استبانت له سنة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحد، وهو كلام حق لا يستراب فيه، كيف تترك نصوص الشارع المعصوم ويؤخذ بأقوال غيره ممن يجوز عليه الخطأ؟ فإن كل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلَّا صاحب الرسالة صلوات الله وسلامه عليه، والآيات في هذا الباب كثيرة.

والمعنى: فإن تتولوا عن الطاعة إثر ما أمرتم بها فاعلموا أنما عليه مسئولية ما أمر به من التبليغ وقد شاهدتموه عند قوله: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} وعليكم القيام بما أمرتم به من الطاعة.

وأما الأحاديث، فعن أبى نجيح العرباض بن سارية رضي الله عنه، قال: وَعَظنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم موعظة وجلت منها القلوب وذرفت (٣) منها العيون، فقلنا: يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا، قال: "أوصيكم بتقوى اللَّه، والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد، وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين عَضُّوا


(١) يعنى السنة فإنها أيضًا تنزل عليه بالوحى كالقرآن إلا أنها لا يتعبد بتلاوتها كالقرآن، بل تقرأ للاهتداء بها وأخذ الأحكام منها ويؤيده قوله تعالى: {وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا} [النساء: ١١٣]. فكل ما حكم به رسول - صلى الله عليه وسلم - فهو مما فهمه من القرآن، قال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} [النساء: ١٠٥] في آيات أخر.
(٢) [سورة النور: الآية ٥٤].
(٣) بالذال وفتح الراء من باب ضرب: سألت، أي لما تأثرت القلوب ظهر ذلك في العيون فجرى الدمع.

<<  <   >  >>