للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

للرحلة إلى مسجد آخر، وأما المشاهد فلا تتساوى، يل بركة زيارتها على قدر درجاتهم عند الله -عَزَّ وَجَلَّ-.

(نعم) لو كان في موضع لا مسجد فيه فله أن يشد الرحال إلى موضع فيه مسجد وينتقل إليه بالكلية إن شاء، ثم ليت شعرى هل يمنع ذلك القائل من شد الرحال إلى قبور الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، مثل إبراهيم وموسى ويحيى وغيرهم، كقبر هود بحضرموت صلوات الله عليهم؟ فالمنع من ذلك في غاية الإحالة، فإذا جوز هذا فقبور الأولياء والعلماء والصلحاء في معناه فلا يبعد أن يكون

ذلك من أغراض الرحلة (المندوب إليها) كما أن زيارة العلماء في الحياة من المقاصد. انتهى بإيضاح.

(وحاصله) أن المانعين قاسوا الزيارة والرحلة إليها على الرحلة لغير المساجد الثلاثة وحجة الإسلام الغزالى أجاب بوضوح الفرق فإن ما عدا تلك المساجد الثلاثة متساوية في الفضل فلا فائدة في الرحلة إليها، وأما الأولياء فإنهم متفاوتون في القرب من اللّه تعالى ونفع الزائرين بحسب معارفهم وأسرارهما فكان للرحلة إليهم فائدة، أي فائدة، فمن ثم ندبت الرحلة إليهم للرجال فقط بقصد ذلك.

وأجابوا عن الدليل الثانى للمانعين بأنه على تقدير التسليم فليس كل بدعة مذمومة، بل قد تكون حسنة على ما لا يخفى.

وأجابوا عن الدليل الثالث بأن الزائر إن لم يتيسر له الزيارة إلا مع وجود تلك المفاسد فالقربات لا تترك لمثل ذلك، بل على الإنسان فعلها وإنكار البدع، بل وإزالتها إن أمكنه، وإن تيسرت الزيارة مع عدم المفاسد فتارة يقدر على إزالة كلها أو بعضها فيتأكد له الزيارة مع وجود تلك المفاسد ليزيل منها ما قدر عليه، وتارة لا يقدر على إزالة شيء منها، فالأولى، بل الواجب الزيارة في غير زمن تلك المفاسد ألا ترى أن الأئمة لم يمنعوا نحو الطواف والوقوف بعرفة أو مزدلفة والرمى مع أن فيما ذكر اختلاطًا، أي اختلاط، وإنما منعوا نفس الاختلاط لا غير، ويمكنه أن يحضر لا يخالط -أفاده ابن حجر- وأنت خبير بأن موالد الأولياء اليوم مملوءة بالمنكرات وأن أعظم المرشدين لا يقدرون على إزالتها أو شيء منها. فالواجب ألا يزور في زمن تلك المفاسد.

<<  <   >  >>