للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سبع، كأن يحمل معه متاعه أو يعلف دابته ونحو ذلك مما يجرى فيه التعاون والتعاضد بين الناس فلا ريب في جوازهما إذا كان ذلك مع اعتقاد أن لا مغيث ولا معين على الإطلاق إلا اللّه تعالى، وإذا حصل شيء من ذلك على يد غيره فالحقيقة له سبحانه.

أما ما لا يقدر عليه إلا اللّه تعالى فلا يستغاث فيه إلا به كغفران الذنوب، والهداية، وشفاء المريض، وإنزال المطر، والرزق كما قال تعالى: { … وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ … } (١)، وقال: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ … } (٢).

والاستغاثة: طلب الغوث وهو إزالة الشدة كالاستنصار: طلب النصرة فلا يكون إلا عند الشدائد بخلاف الاستعانة فإنها طلب المعونة في شدة أو غيرها، ومن هذا القبيل قوله تعالى: {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ} (٣)، وقوله: {وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ} (٤)، وقوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} (٥) وبما ذكر علمت أن الاستغاثة بمخلوق فيما لا يقدر عليه إلا اللّه تعالى لا تجوز فإنها دعاء والدعاء عبادة، بل مخ العبادة وغير اللّه تعالى لا يعبد.

(المسألة الثالثة): الاستشفاع، وهو طلب الشفاعة من الغير بمعنى سؤال فعل الخير من الغير للغير على سبيل الضراعة فلا نزاع فيه لأحد من المسلمين إلا الشفاعة لأهل الكبائر عند المعتزلة والخوارج (فإنه) ثبت بالسنة المتواترة وإجماع الأمة أن نبينا - صلى الله عليه وسلم - هو الشافع المشفع، وأنَّه يشفع للخلائق يوم القيامة، وأن الناس يستشفعون به ويطلبون منه أن يشفع لهم إلى ربه. قال - صلى الله عليه وسلم -: "أعطيت خمسًا لم يعطهن أحد قبلى: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلى، وجعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا فأيما رجل من أمتى أدركته الصلاة فليصل، وأعطيت الشفاعة، وكل نبى بعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة" متفق عليه من حديث جابر. وفى "سنن أبي داود": أن رجلًا قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: إنا نستشفع باللّه عليك ونستشفع بك على اللّه، فقال: "شأن اللَّه أعظم من ذلك، إنه لا يستشفع به على أحد من


(١) [سورة آل عمران: الآية ١٣٥].
(٢) [سورة القصص: الآية ٥٦].
(٣) [سورة القصص: الآية ١٥].
(٤) [سورة الأنقال: الآية ٧٢].
(٥) [سورة المائدة: الآية ٢].

<<  <   >  >>