للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

خلقه" فأقره على قوله: "نستشفع بك على اللَّه" وأنكر عليه قوله: "نستشفع باللَّه عليك".

(وجملة القول فيه) أن في القرآن الكريم آيات ناطقة بنفى الشفاعة مطلقًا كقوله تعالى في وصف يوم القيامة: {لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ} (١)، وأخرى ناطقة بنفى منفعة الشفاعة كقوله عز وجل: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} (٢)، وآيات تقيد النفى بمثل قوله تعالى: {إِلَّا بِإِذْنِهِ} (٣)، وقوله: {إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} (٤) فمن الناس من يحكم الثانى بالأول، ومنهم من يرى أنه

لا منافاة بينهما فنحتاج إلى حمل أحدهما على الآخر؛ لأن مثل هذا الاستثناء معهود في أسلوب القرآن في مقام النفى القطعى للإشعار بأن ذلك بإذنه ومشيئته كقوله تعالى: {سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (٦) إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ} (٥)، وقوله: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} (٦) فليس في القران نص قطعى في وقوع الشفاعة ولكن ورد الحديث الصحيح يإثباتها فما معناها؟

الشفاعة المعروفة عند الناس هى أن يحمل الشافع المشفوع عنده على فعل أو ترك كان أراد غيره -حكم به أم لا- فلا تتحقق الشفاعة إلا بترك الإرادة وفسخها لأجل الشفيع. أما الحاكم المعادل فإنه لا يقبل الشفاعة إلا إذا تغير علمه بما كان أراده أو حكم به كأن كان أخطأ ثم عرف الصواب ورأى أن المصلحة أو العدل في خلاف ما كان يريده أو حكم به؛ وأما الحاكم الظالم فإنه يقبل شفاعة المقربين عنده في الشئ وهو عالم بأنه ظلم وأن العدل في خلافه، ولكنه يفضل مصلحة ارتباطه بالشافع المقرب منه على العدالة.

وكل من النوعين محال على اللّه تعالى لأن إرادته تعالى على حسب علمه، وعلمه أزلى لا يتغير، فما ررد في إثبات الشفاعة يكون على هذا من المتشابهات وفيه يقضى مذهب السلف بالتفويض والتسليم، وأنها مزية يختص اللّه بها من يشاء يوم القيامة، عمر عنها بلفظ (الشفاعة) ولا نحيط بحقيقتها مع تنزيه اللّه جل وعلا عن المعروف من معنى الشفاعة في لسان التخاطب العرفى. (ومذهب الخلف) حمل الشفاعة فيه على أنها دعاء يستجيبه اللّه تعالى والأحاديث الواردة في الشفاعة تدل على هذا.

في الصحيحين وغيرهما: " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يسجد يوم القيامة


(١) [سورة البقرة: الآية ٢٥٤].
(٢) [سورة المدثر: الآية ٤٨].
(٣) [سورة البقرة: الآية ٢٥٥].
(٤) [سورة الأنبياء: ٢٨].
(٥) [سورة الأعلى: الآيتان ٦، ٧].
(٦) [سورة هود: الآية ١٠٧].

<<  <   >  >>