للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويثنى على اللّه تعالى بثناء يُلْهَمُهُ يومئذ فيقال له: ارفع رأسك وسَل تُعطَهْ وَاشفع تُشَفَّع" وليس في الشفاعة بهذا المعنى أن اللّه تعالى يرجع عن إرادة كان أرادها لأجل الشافع وإنما هى إظهار كرامة للشافع بتنفيذ الإرادة الأزلية عقيب دعائه، وليس فيها أيضًا ما يقوى غرور المغرورين الذين يتهاونون بأوامر الدين ونواهيه اتكالًا على شفاعة الشافعين، بل فيه أن الأمر كله للّه وأنَّه لا ينفع أحدًا في الآخرة إلا طاعته ورضاه {فَمَا تَنْفَعُهُمْ

شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (٤٨) فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ} (١) {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} (٢) أفاده الأستاذ الإمام.

(المسألة الرابعة): التوسل إلى اللّه تعالى بأحد من خلقه في مطلب يطلبه العبد من ربه. أجاز بعضهم إذا كان بمعنى الشفاعة لما في صحيح البخارى: "أن عمر ابن الخطاب -رضى اللّه عنه- استسقى بالعباس وقال: اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا فيسقون" فلا يخفى أن توسلهم به هو استسقاؤهم بحيث يدعو ويدعون معه فهو شفيع لهم وسائل لا مسئول، وأجازه بعضهم وإن لم يكن بمعنى الشفاعة، بل بمعنى التوسل بجاه الوسيلة نحو القسم على اللّه بنبيه - صلى الله عليه وسلم - إلا أن الشيخ عز الدين بن عبد السلام خصه به - صلى الله عليه وسلم - للحديث الصحيح: أن أعرابيًّا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول اللّه إنى أصبت في بصرى فادع الله لي، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "توضأ وصل ركعتين ثم قل: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد يا محمد إنى أستشفع بك في رد بصرى اللهم شفعه في وقال: "فإن كان لك حاجة فمثل ذلك" فرد اللَّه بصره. أخرجه النَّسَائِيّ والترمذى وصححه وابن ماجه وغيرهم فعلم منه أن النبي -صلى اللّه عليه وآله وسلم- شفع له، فسأل اللّه أن يشفعه فيه، فلأجل هذا الحديث استثنى الشيخ ابن عبد السلام التوسل به - صلى الله عليه وسلم - من المنع الذى أفتى به حيث قال: وهذا ينبغى أن يكون مقصورًا على النبي - صلى الله عليه وسلم - لأنَّه سيد ولد آدم، وأن لا يقسم على اللّه بغيره من الأنبياء والملائكة والأولياء لأنهم ليسوا في درجته، وأن يكون هذا مما خص


(١) [سورة المدثر: الآيتان ٤٨، ٤٩].
(٢) [سورة الأنبياء: الآية ٢٨].

<<  <   >  >>