للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

به لعلو درجته ومرتبته، وفيه نظر الأن الخصائص لا تثبت إلا بدليل ولا يكفى فيها الاحتمال لأنها خلاف الأصل كما تقدم آنفًا.

وبما تقدم يتضح لك أن المستغيث بإنسان طالب منه سائل له، بخلاف المتوسل به فليس مطلوبًا منه ولا مسئولًا وإنما يطلب به، وكل أحد يفرق بين المدعو والمدعو به.

وجملة الأمر أنه مسألة كثر فيها الكلام وطال النزاع بين الإمام السبكى وشيخ الإسلام الحافظ ابن تيمية رحمهما اللّه وأتى كل منهما بأدلة أيد فيها رأيه ورد أدلة الآخر، ولكل من الشيخين أشياع وأنصار تتلاحى وتتشاتم حتى صارت بابًا من

أبواب الفتنة والتفريق بين جماعة المسلمين، ونحن إلى الوفاق والوئام أحوج منا إلى الهواء والغذاء، وبسط الكلام فيها ممَّا لا يحتمله هذا المختصر فاكتفينا بهذا الإجمال.

وأما التوسل إلى اللّه تعالى يعمل العبد نفسه فلا خلاف بينهم في جوازه لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} (١). قال العلماء: الوسيلة الشرعية هى صالح العمل لقوله تعالى في بيان صفات المتقين الفائزين بهذه الكرامات السنية: {الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} (٢) فإنهم رتبوا طلب المغفرة والوقاية من النار على الإيمان، والمراد به الإيمان الصادق الذى تصدر عنه آثاره من عمل الطاعات وترك المعاصى، وهذا لا شك توسل منهم بالإيمان وصالح العمل في مقام الضراعة إلى اللّه تعالى.

وقوله تعالى في بيان أحوال أولى الألباب السليمة والعقول الصحيحة: {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ} (٣). المنادى: رسول اللّه صلوات اللّه وسلامه عليه، وأولوا الألباب الموصوفون بما ذُكِرَ هم السابقون من أصحابه، ومن تبعهم في ذلك له حكمهم، والذنب: كل عمل تسوء عاقبته في العاجل والآجل من المعاصى كلها سواء منها ما يتعلق بحقوق اللّه وما يتعلق بحقوق العباد، والسيئة: الفعلة القبيحة التى تسوء صاحبها أو تسوء غيره عاجلًا أو آجلًا، فهى عامة أيضًا، وغفر الذنوب: سترها وعدم المؤاخذة عليها ألبتة، وتكفير السيئات: حطها وإسقاطها، والمراد بالإيمان:


(١) [سورة المائدة: الآية ٣٥].
(٢) [سورة آل عمران: الآية ١٦].
(٣) [سورة آل عمران: الآية ١٩٣].

<<  <   >  >>