للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أحمد وكرهه وحرمه أبو حفص (ويحرم) ويكره أن يتبعها مع منكر وهو عاجز عن إزالته.

(وجملة القول) أن السنة في اتباع الجنائز الصمت والتفكر والاعتبار، وبهذا كان عمل الصحابة فمن بعدهم، وأن اتباعهم سنة، ومخالفتهم بدعة، وقد قال الإمام مالك -رضى اللّه عنه-: "لن يأتى آخر هذه الأمة بأهدى ممَّا كان عليه أولها".

هذا هو الذى ينبغى التعويل عليه حيث كان بإجماع المذاهب الأربعة ولا معتبر بمن يقول بندبية إو وجوب رفع الصوت بالذكر أو القراءة أمام الجنازة معللًا ذلك بأمور:

(الأول): أول صار شعارًا للموتى وفى تركه ازدراء بالميت وتعريض العرض للكلام فيه.

(الثانى): أن في الاشتغال بالذكر ونحوه ترك التكلم واللغط بأمور الدنيا.

(الثالث): أن فيه مخالفة اليهود والنصارى في جنائزهم حيث اعتادوا السكوت فيها.

فكل هذه الوجوه باطلة لا تسوغ مخالفة السنة، فإن عادة الأغنياء وذوى الحيثيات اليوم السكوت في جنائزههم حتى صار هذا من شعائرهم وليس فيه ازدراء ولا تعريض العرض للطعن عليه، والواقع الآن أن المشتغل بالذكر جهرًا طائفة مخصوصة يؤتى بها لهذا الغرض، وبقية المشيعين لا يشتغلون به ويتكلمون بأمور الدنيا، فلم يكن الإتيان به مدعاة لترك اللغط بأمور الدنيا، والمعروف في جنائز اليهود والنصارى عدم السكوت، فإن لهم أناشيد يرتلونها من البيت إلى الكنائس (وأيضًا) يكفينا في مخالفة جنائزهم حمل جنائزنا على الأعناق دونهم، وهم يحملون الصلبان وبساط الرحمة وصحب الورد الكبيرة وغير ذلك ممَّا به التمييز بين جنائز المسلمين وجنائزهم.

وقد نشأ عن هذه البدعة كثير من المنكرات، منها الإتيان برجل حسن الصوت يغنى لهم أمام الجنازة وصارت مهنة لطائفة من جهلة الفساق لهم أصوات منكرة يحرفون الكلم عن مواضعه وحوله جماعة لهم زى مستبشع فإنه ليس هناك غرض صحيح في اشتراك هذه الطائفة المبتذلة المرذولة في تشييع الجنائز سوى مخالفة السنة وإضرار الورثة بأجورهم، ولو أعطيت لهم الصدقات بدوق تكليفهم السعى لكان غاية في الحسن،

<<  <   >  >>