للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال المنافقون: ما أخف جنازته وذلك لحكمه في بنى قريظة (١). فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "إن الملائكة كانت تحمله" حديث صحيح غريب، والغرابة لا تنافى الصحة كما قرره علماء الفن، وله شواهد تزيده صحة، فقد أخرج النَّسَائِيّ عن ابن عمر -رضى اللّه عنهما- أن رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - قال: "هذا الذى تحرك له

العرش وفتحت له أبواب السماء وشهده سبعون ألفًا من الملائكة، لقد ضم ضمة ثم فرج عنه"، وأخرج ابن عبد البر عن عبد اللّه بن أبى بكر -رضى اللّه عنه- قال: "مات سعد ين معاذ من جرح أصابه يوم الخندق شهيدًا، قال: فبلغنى أن جبريل عليه السلام نزل في جنازته معتجرًا بعمامة من استبرق وقال: يا نبى اللّه من هذا الذى فتحت له أبواب السماء واهتز له العرش؟ فخرج رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - سريعًا يجر ثوبه فوجد سعدًا قد قبض"، وفى الصحيحين عن جابر بن عبد اللّه الأنصارى -رضى اللّه عنه- قال: سمعت النبي -صلى اللّه تعالى عليه وسلم- يقول: "اهتز العرش لموت سعد ابن معاذ"، وروى في غير الصحيحين من كتب السنة بروايات كثيرة وقد صرح الحافظ ابن عبد البر بأنه متواتر.

"اهتز العرش لموته": أي فرحًا بقدوم روحه، وخلق اللّه تعالى فيه تمييزًا إذ لا مانع من ذلك، أو المراد اهتز أهل العرش وهم حملته، ويؤيده حديث الحاكم: "أن جبريل عليه السلام قال: من هذا الميت الذى فتحت له أبواب السماء واستبشرت به أهلها؟ "، أو المراد باهتزازه ارتياحه لروحه واستبشاره بصعودها لكرامته كما يقال: فلان يهتز للمكارم ليس مرادهم اضطراب جسمه وتحركه وإنما يريدون ارتياحه إليها وإقباله عليها، أو هو كناية عن تعظيم شأن وفاته. والعرب تنسب الشئ المعظم إلى أعظم الأشياء فتقول: أظلمت الأرض لموت فلان، وقامت له القيامة.

وممَّا تقدم يستفاد أن اللّه تعالى يكرم بعض المتقين بتخفيف ثقل جنازتهم على حامليها، وقد يكون من إكرامهم الإسراع بهم إلى ما أعد لهم من أنواع النعيم المقيم، وما عدا هذا لا نعرف له أصلًا في كتب السنة واللّه تعالى أعلم. هذا في الجنائز.


(١) أن تقتل الرجال وتقسم الأموال وتسبى الذرارى والنساء.

<<  <   >  >>