وأما بدع المآتم، فمعلوم أن كل مجتمع للحزن على الميت فيه النساء لا يخلو عن المحظورات شرعًا من الندب والنياحة ولطم الخدود والتهتك يكشف العورات وإضاعة الكثير من الأموال إلى غير ذلك ممَّا عمت به البلوى حتى استعصى الداء وعز الدواء.
(وأما اجتماع الرجال في المآتم) لداعية الحزن على الميت، فمعلوم أيضًا ما يستلزمه هذا الاجتماع عادة من النفقات الطائلة لغرض المباهاة والرياء بإعداد
محل الاجتماع وإحضار البسط والكراسى المذهبة ونحوها، ولا شك في حرمة ذلك لما فيه من إضاعة المال لغير غرض صحيح ولا يفيد الميت شيئًا ويعود بالخسارة على أهله هذا إذا لم يكن في الورثة قاصر فما بالك إذا كان فيهم قاصر، وقد يتكلفون ذلك بالقرض بطريق الربا نعوذ باللّه من سخطه، وأن ما يقع بعد الدفن من عمل المأتم ليلة أو ثلاثًا مثلًا لا نزاع في أنه بدعة، ولم يثبت عن الشارع ولا عن السلف أنهم جلسوا بقصد أن تذهب الناس إلى تعزيتهم، وكانت سنته - صلى الله عليه وسلم - أن يدفن الرجل من أصحابه وينصرف كل إلى مصالحه. هذه كانت سنته وهذه كانت طريقته واللّه تعالى يقول:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ}(١) فلنتأس به فيما ترك كما تتأسى به فيما فعل.
والجمهور على كراهة ذلك لأنَّه يجدد الحزن ويكلف المعزَّى. قال الإمام الأذرعى: الحق أن الجلوس للتعزية على الوجه المتعارف في زماننا مكروه أو حرام. ا هـ.
وقال الإمام النووى في "شرح المهذب": وأما الجلوس للتعزية فنص الإمام الشافعى وسائر الأصحاب على كراهته، ونقله الغزالى وآخرون عن نص الإمام الشافعى قالوا: يعنى بالجلوس لها أن يجتمع أهل الميت في بيت فيقصدهم من أراد التعزية، قالوا: بل ينبغى أن ينصرفوا في حوائجهم فمن صادفهم عزاهم، ولا فرق بين الرجال والنساء في كراهة الجلوس لها، صرح به المحاملى ونقله عن الإمام الشافعى فإنه قال في "الأم": وأكره المآتم وهى الجماعة وإن لم يكن لهم بكاء فإن ذلك يجدد الحزن ويكلف المؤنة مع ما مضى فيه من الأثر. ا هـ.
وعند السادة الحنفية يكره الجلوس في المسجد للمصيبة ثلاثة أيام