للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سمى عمر بن الخطاب رضي الله عنه قيام رمضان

بدعة (١)، وإما جهلًا بمواقع السنة والبدعة فلا يعتمد عليه (تضاهى الشرعية) يعنى أنها تشابه الطريقة الشرعية من غير أن تكون في الحقيقة كذلك كتخصيص يوم النصف من شعبان بصيام أو ليلته بقيام فإنه طريقة في الدين مخترعة تضاهى تخصيص الشارع أيامًا وليالى بأعيانها دون غيرها كيوم عاشوراء وليلة القدر وسائر ليالى رمضان خصوصًا العشر الأواخر منه، فلو كانت لا تضاهى الأمور المشروعة لم تكن بدعة لأنها تصير من باب الأفعال العادية، كالذى يقوم إلى الصلاة فيتنحنح مثلًا أو يتمخط أو يمشى خطوات يفعل ذلك بحكم العادة فمثل هذا لا حرج فيه وهو من العادات الجائزة التى لا تشابه المشروع ولا تلتبس به، وأيضًا فإن صاحب البدعة إنما يخترعها ليضاهى بها السنة حتى يكون ملبسًا بها على الغير، أو تكون هى مما تلتبس عليه بالسنة؛ إذ الإنسان لايقصد الاستتباع بأمر لايشابه المشروع؛ لأنَّه إذا كان كذلك لا يستجلب بابتداعه نفعًا، ولا يدفع ضررًا، ولا يجيبه غيره إليه. ولذا ترى المبتدع ينتصر لبدعته بأمور توهم التشريع ولو بدعوى الاقتداء بفلان المعروف مقامه في أهل الكمال، فأنت ترى العرب في تغيير ملة إبراهيم -عليه السلام- كيف تأولوا فيما أحدثوه احتجاجًا منهم كقولهم في أصل الإشراك: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} (٢)، وطواف البعض بالبيت عرايا قائلين: لا نطوف بثياب عصينا الله فيها .. وما إلى ذلك مما وجهوه ليصيروه بالتوجيه كالمشروع فما ظنك بمن عد من خواص أهل الملة!؟ فلابد في حد البدعة من اعتبار مضاهاة الأمور المشروعة، وأن يكون إحداثها على أنها دين وشرع بحيث يكون المحدث لها مضاهيًا ونظيرًا للشارع في وضع القوانين (يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله


(١) فيه نظر إذ أن لفظ البدعة على رأيه لا يتناول إلَّا الحادث المذموم، فكيف يستعمل في مقام المدح في ذلك الشئ الممدوح (صلاة التراويح)؟ وقد قالوا: إن المجاز مطلقًا وإن لم يكن مبناه التشبيه وإلحاق النطر بالنظير وجعله في عداده يخيل المعنى المراد بالمعنى الأصلى ويعطيه صورته، فهل يريد عمر رضى الله عنه وهو يمتدح صلاة التراويح أن يصورها بصورة الشئ المذموم شرعًا فيكون مادحًا ذامًّا، فلو قال: إنه سماها بدعة بالمعنى اللغوى (وهو ما أحدث على غير مثال سابق) لكان صوابًا؛ لأن صلاة التراويح على الهيئة المعروفة لم تكن في زمن النبوة كما سيتضح لك.
(٢) [سورة الزمر: الآية ٣].

<<  <   >  >>