وكل ذلك غير مشروع بإجماع العلماء، ولم يكن على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا عهد الخلفاء الراشدين ومن بعدهم من الصحابة والتابعين ولا عهد الأئمة الأربعة المجتهدين رضي الله عنهم أجمعين.
(ومن المكروهة): قراءة القرآن على قارعة الطريق وفى الحوانيت كما سبق لك.
(ومنها): التكلف الذى يقع منهم في الوفاء بشهواتهم.
(ومنها): الإفراط في السهر الذى يترتب عليه تضييع الصلوات وضرر الأبدان.
(ومنها): شد الرحال إلى البقاع النائية وإهمال المزارع والصنائع والبيوت حتى تصير عرضة للتلف وسطو اللصوص .. إلى غير ذلك ممَّا لا يخفى على بصير تركناه خوف الإطالة.
(وأما القائلون بالجواز) وأن الموالد بدعة حسنة فقالوا: إن ما اشتمل منها على محرم أو مكروه فليس بحسن، بل حرام أو مكروه وإنما ندعى حسن ما اشتمل على خير فقط كإطعام الطعام وذكر الله وقراءة القرآن وتلاوة قصة مولده الشريف وقصائد مدحه عليه الصلاة والسلام، وكل ذلك مندوب إليه كما لا يخفى، وبهذا يسقط الدليل الثانى للقائلين بالمنع، ثم استدلوا على حسنها بدليلين:
الأول: عموم الأدلة الدالة على مندوبية قراءة القرآن وذكر الله تعالى وعلى حسن تعظيم النبي صلوات الله وسلامه عليه بالثناء عليه وإظهار شمائله وفضائله وتبيين معجزاته، وعلى رغبة الشارع في إطعام الفقراء والتصدق على المساكين مع العلم بأن مندوبية ما ذكر بناء على هذه الأدلة العامة لم تتقيد في نظر الشارع بأوقات أو أمكنة مخصوصة ولم يعتبر فيها قيود خاصة، ألا ترى مثل قوله صلوات الله وسلامه عليه:"لا يقعد قوم يذكرون الله تعالى إلَّا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم الله تعالى فيمن عنده" رواه مسلم، وروى أيضًا أنه - صلى الله عليه وسلم - قال لقوم جلسوا يذكرون الله تعالى ويحمدونه على أن هداهم للإسلام:"أتانى جبريل عليه الصلاة والسلام فأخبرنى أن الله تعالى يباهى بكم الملائكة". قال ابن حجر الفقيه: وفى الحديثين دليل واضح على فضل الاجتماع على الخير والجلوس له وأن الجالسين على خير كذلك يباهى الله بهم الملائكة وتنزل عليهم السكينة