للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عليه وسلم - اهـ. وبهذا يسقط الدليل الأول للقائلين بالمنع.

ونقول لهم: لكن بقى النظر في هذه الموالد التى تقام في هذه الأزمان ولا شبهة أنها لا تخلو عن المحرمات والمكروهات، وقد أصبحت مراتع للفسوق

والفجور، وأسواقًا تباع فيها الأعراض وتنتهك محارم الله تعالى، وتعطل فيها بيوت العبادة، فلا ريبة قى حرمتها، والمصلحة المقصودة منها لا تبيح هذه المحظورات التى فيها، ويمكن تأديتها من غير هذا الوجه.

(والقاعدة): أن درء المفاسد مقدم على جلب الصالح، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - اكتفى من الخير بما تيسر، وفطم عن جميع أنواع الشر حيث قال: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه" متفق عليه، فهو صريح في أن الشر وإن قل لا يرخص في شيء منه والخير يكتفى منه بما تيسر.

ولو لم يكن في الموالد الآن إلا اتخاذ قبور الأنبياء والأولياء عيدًا لكفى في المنع منها، فقد روى أبو داود بإسناد حسن عن أبى هريرة رضي الله عنه أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تجعلوا بيوتكم مقابر ولا تجعلوا قبرى عيدًا وصلوا على أينما كنتم فإن صلاتكم تبلغنى حيث كنتم". وأخرج سعيد بن منصور عن سهيل بن أبى سهيل قال: رآنى الحسن بن الحسن بن على بن أبى طالب رضي الله عنه عند القبر فنادانى وهو ببيت فاطمة يتعشى فقال: هلم إلى العشاء، فقلت: لا أريد، فقال: ما لي رأيتك عند القبر؟ فقلت: سلمت على النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: لذا دخلت المسجد؟ ثم قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " لا تتخذوا بيتى عيدًا ولا بيوتكم مقابر وصلوا على فإن صلاتكم تبلغنى حيثما كنتم".

ومعنى اتخاذه عيدًا: أن يقصد بالتوجه إليه مرة بعد أخرى ويظهر عنده الفرح والسرور وتقع عنده العبادة وذبح الذبائح وإطعام الطعام على نحو ما كان يفعله أهل الجاهلية عند الأوثان، والنهى عن اتخاذ البيوت قبورًا في معنى الأمر بتحرى النافلة في البيوت حتى لا تكون بمنزلة القبور النهى عن تحرى العبادة عند القبور، وأشار بقوله: "فإن صلاتكم تبلغنى حيثما كنتم" إلى أن القرب من قبره والبعد عنه سواء فلا حاجة

<<  <   >  >>