للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في أولئك من خير؟ " قالوا: يا رسول الله ومن أولئك؟ قال: "أولئك منكم وأولئك هم وقود النار وأخرج أيضًا: "من قال: أنا عالم فهو جاهل". قال في "الزواجر": وعد هذا كبيرة لا يبعد من قياس كلامهم؛ لأنهم إذا عدوا إسبال الإزار ونحوه خيلاء كييرة فأولى أن يعدوا هذا لأنَّه أقبح وأفحش.

ومن البدع القبيحة العامة أيضًا استثقال الإنسان للتكاليف وتطلبه الراحة منها بأدائها، أو انتظاره في الصوم للغروب مع الضجر، ومن ذلك ما تسمعه كثيرًا من

العامة، بل والخاصة، يقول بعضهم: إذا حان وقت الصلاة قم بنا نصلى لنستريح منهما، وربما زاد على ذلك قوله: فإنها على الإنسان كالجبل.

فانظر رعاك الله إلى الفرق بين الحالين كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يجد فيها راحته ويقول: "جعلت قرة عينى في الصلاة" (١)، وكان أصحابه السلف الصالح رضوان الله عليهم يستريحون بالصلاة ويشتغلون بها عن غيرها ممَّا ليس في منزلتها، ونحن نطلب الإراحة منها لثقلها علينا، ولكن صدق الله العظيم {وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} (٢). أخرج الطحاوى عن عبد الله بن محمد بن الحنفية قال: دخلت مع أبى على صهر لنا من الأنصار فحضرت الصلاة فقال: يا جارية ائتينى بوضوء لعلى أتوضأ فأستريح فكأنه رآنا أنكرنا ذلك فقال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول "قم يا بلال فأرحنا بالصلاة".

فبين الأنصارى أنه يريد فأستريح بالصلاة لا منها كما توهم السامعون فأنكروا عليه ذلك، ومنه يؤخذ أن معتاد السلف رضي الله عنهم الاطمئنان للصلاة والارتياح بها لا كراهتها واستثقالها، وفوق ذلك كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة كما أرشده إلى ذلك مولاه فقال: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ} (٣) من كلمات الشرك والطعن في القرآن والاستهزاء به وبك {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (٩٨) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} (٤).


(١) أصل الحديث أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "حبب إلىّ النساء والطيب وجعلت قرة عينى في الصلاة" رواه الطبرانى في "الأوسط" و "الصغير".
(٢) [سورة البقرة: الآية ٤٥].
(٣) [سورة الحجر: الآية ٩٧].
(٤) [سورة الحجر: الآيتان ٩٨، ٩٩].

<<  <   >  >>