للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والعظماء تواظب على العبادة هانت عليهم مشاق العبادة، وخطر لهم أنهم أحوج إلى المجازاة عوضًا عما فاتهم من حظوظ الدنيا.

وأيضًا بواعث امتثال الأمر والنهى صدورهما على لسان ولاة الأمور وأولى البأس، لا لهم من الهيبة في نفوس الأمة، وورد: "أن الله ليزع (١) بالسلطان ما لا يزعه بالقرآن" والناس على دين ملوكهم كما قال ابن مسعود رضي الله عنه: "اثنان إذا صلحا صلح الناس وإذا فسدا فسد الناس: العلماء والأمراء". ومنزلة الأمير من الرعية بمنزلة الروح من الجسد، فإذا صفت الروح من الكدر سرت إلى الجوارح سليمة وسرت في جميع أجزاء الجسد، فأمن الجسد من الْغِيَر فاستقامت الجوارح والحواس وانتظم أمر الجسد، وإن تكدرت الروح أو فسد مزاجها فياويح الجسد! فتسرى إلى الحواس والجوارح كدرة وهى منحرفة عن الاعتدال، فيأخذ كل عضو وحاسة بقسطه من الفساد، فمرضت الجوارح وتعطلت فتعطل نظام الجسد وجر إلى الفساد والهلاك، وقد واظب -صلى الله عليه وسلم- على إمامة الناس والخطبة لهم في الصلاة وغيرها، وكذا خلفاؤه وكثير من الأمراء بعدهم. ثم حدثت بدع كتأخير بعضهما الصلاة عن وقتها كما في حديث خيثمة عن عبد الله رضي الله عنه: "سيكون من بعدى أمراء يؤخرون الصلاة عن مواقيتها فيحدثون البدعة"، قال عبد الله بن مسعود: فكيف أصنع إذا أدركتهم؟ قال: "تسألنى يا ابن أم عبد الله: كيف تصنع؟ لا طاعة لن عصى اللَّه": أي في معصيته لا مطلقًا، لوجوب إطاعة الأمراء وإن عصوا فيما ليس بمعصية، وقد سبق الكلام في هذا الحديث وأن هذا من تساهلهم وتشاغلهم بمصالح الرعية عن مراسم الدين فهى معصية ارتكبوها مع علمهم بتحريمها، وسماه بدعة محدثة لفعلهم إياها بحيث يقتدى بهم فيها كما هو الشأن في الأمراء، وفى "سنن أبى داود" من حديث عبادة ابن الصامت قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إنها ستكون عليكم بعدى أمراء تشغلهم أشياء عن الصلاة لوقتها حتى يذهب وقتها، فصلوا الصلاة


(١) يزع: يكف ويمنع، يقال: وزعته عن كذا منعته.

<<  <   >  >>