للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(وصفوة القول) من أراد في هذا الزمن أن يستقيم على الطريق القويم يجد نفسه غريبًا بين أهل الوقت لكثرة ما أحدثوا، وما غلب على السنن الأصلية من البدع، وهذا الابتداع قديم طال عليه الأمد حتى تأصل في نفوس الناس لا يعالجه إلا الأطباء الماهرون، فعن أبى الدرداء رضي الله عنه قال: لو خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عليكم ما عرف شيئًا ممَّا كان عليه هو وأصحابه إلا الصلاة، قال الأوزاعى: فكيف لو كان اليوم ونحن نقول: لو خرج عليه الصلاة والسلام في زماننا هذا ما عرف شيئًا حتى الصلاة، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ما أعرف منكم ما كنت أعهده على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- غير قولكم: "لا إله إلَّا الله". قلنا: بلى يا أبا حمزة، قال: قد صليتم حتى تغرب الشمس، أفكانت تلك صلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟. فالسعيد من تحلى بحلية السلف ودواعى الفساد تجذبه من كل جانب، والله الهادى إلى سواء السبيل.

ومن البدع السيئة في العبادة إهمال العامة والخاصة شئون من تحت رعايتهم من الأزواج والأولاد والخدم، فلا يعلمونهم أمر دينهم، ولا يحضونهم على العمل به، وغفلوا عن هذه المسئولية العظمى في قوله -صلى الله عليه وسلم-: كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته الإمام راع مسئول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها، والخادم راع في مال

سيده ومسئول عن رعيته وكلكم راع ومسئول عن رعيته" متفق عليه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، فترى الكثير من هؤلاء يتركون الصلاة والصيام، وإذا سألت الراعي عن ذلك يقول: كل لساني من النصيحة لهم.

وهذا (عجيب) فإن أحدًا من رعيته لا يجرؤ على مخالفته في شأن من شئونه لعلمهم أنهما لو أهملوا في مصالحه يدخلون تحت طائلة العقاب. وهذا يرشد إلى ضعف مكانة الدين في نفوسهم، فلو أنهم اهتموا به اهتمامهم بمصالحهم لهان عليهم أن يبعثوا رعيتهم المسئولين عنها على المحافظة على الدين، مثل بعثهم على امتثال أوامرهم ونواهيهم فيما يختص بمنافعهم الدنيوية.

(وعجيب) أيضًا أن بعض رجال الدين يعلم الناس أمور الدين ثم يضن على خاصته ومن تحت نظره، فتراهم في عماء من

<<  <   >  >>