للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هكذا كانت أحوال الأشياخ مع المريدين إلى أن تلاعبت الأهواء بقوم سهل عليهم ادعاء الولاية، ولما يجدوا شبكة يصطادون بها ضعفاء العقول سوى أنهم يتسمون بسمة أهل التربية والتهذيب، ضلوا وأضلوا، وأصبحوا وبالًا على الإسلام وأهله، يتخذهم أعداء الإسلام سبيلًا للكيد له وسلاحًا لخذلان أهله، ما أهون إيقاع الفرقة بين المسلمين عليهم!، وما أيسر تنفر العامة من علماء الدين منهم!، ملأوا الوجود من بدعهم السيئة، وشوهوا الشريعة بضلالاتهم الواضحة، وأطفأوا نور الحق بخزعبلاتهم الفاضحة، حتى أصبحوا معرة في الإسلام، وعلة هادمة لمناره، شأن الشيطان يدخل على الناس من طرق الخير فيجعلها سببًا لهلاكهم، ونحن نذكر لك شيئًا من هذه البدع السيئة التى صارت من مراسم هذه الطرق فنقول:

اعلم أن العمدة في تقرير هذه البدع إما مخالفة ما عرف عن سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- والقرون المشهود لهم بالخير، وإما عدم اتباع مارسمه سلف مشايخ الطريق من قوانين تربية النفوس وتهذيبها، وهما لم يخرجوا في وضع هذه القوانين عن الشريعة الغراء قيد شعرة كما سيتضح لك:

(فمن هذه البدع السيئة) أنك ترى أرباب الطرق في هذه الأزمان إذا جاءهم المريد فأول شيء يلقونه إليه من تعاليمهم إيقاع الفرقة بينه وبين إخوانه المؤمنين، يذم له مشايخ الطرق الآخرين حتى يبعثه على الاعتقاد بأن فضل الله لم يجد مناخًا سوى شيخه، ثم يذم له علماء الدين من أهل الظاهر حتى يعتقد أنهما لا يصلحون للاسترشاد، ولا يقبل منهما نصيحة، وهذا من أخص علامات المبتدعة. قال الإمام الشعرانى: وسمعت أخى سيدى الشيخ أفضل الدين رحمه الله تعالى يقول من علامة المتشيخين بأنفسهم بالدعوى عدم صفاء قلوبهم لبعضهم بعضا لأن كل واحد منهم يعتقد في نفسه أنه هو الشيخ الحقيقى وأن أخاه هو المدعى للمشيخة بغير حق،

ويصدقه أصحابه على ذلك، وفى الآخرة يصلح الله بينهما ويكشف لكل واحد منهما أنه ليس بشيخ ولا شم للطريق رائحة. انتهى.

وسبب ذلك أن غالب من يتصدى في هذه الأيام للمشيخة قد أقبلوا بقلوبهم على الدنيا، وأحب كل واحد منهم الانفراد في وقته بالشهرة والسمعة بالعلم والصلاح، فأعدى عدرهم من كان عالمًا صالحًا، فهم

<<  <   >  >>