لظُلمة قلوبهم وخبث أرواحه لا يحبون أن يكون لغيرهم شهرة بخير، وهذا ليس من الإيمان في شيء كما في صحيح الحديث:"لا يؤمن أحدكم حتى يحب للناس ما يحب لنفسه" متفق عليه من حديث أنس رضي الله عنه، قال: ولو أن هؤلاء كانوا فطموا عن رعونات أنفسهم وتهذبوا على يد شيخ عارف لأحبوا كل من أطاع الله وكرهوا كل من عصاه.
وبالجملة إذا رأيت فقيرًا يدعى الكمال وهو يكره فقيرًا كذلك يدعى الكمال فكلاهما كذاب على الطريق أو أحدهما في نفس الأمر، وقد كنت أسمع الناس وأنا صغير يقولون: لو لم يكن في اتباع طريق الفقراء من الخير إلا قول أحدهم إذا سئل عن أخيه حال غضبه عليه (ونعم من ذكرت) لكان في ذلك كفاية في الحث على اتباع طريقهم بخلاف غيرهم، فإنك إذا سألته عن أحد من إخوانه حال غضبه عليه يقوله:(بئس من ذكرت) فصار غالب الفقراء اليوم يقولون عن إخوانهم لمن رآه يمدحهم بئس من ذكرت، ويظهر التكدير على وجوههم والعبوسة. وقد بلغنا "أنه كان بين خالد بن الوليد وبين سعد بن أبى وقاص كلام، فلما ذكروا عنده ذلك الشخص بخير أخذ خالد يمدحه فقيل له في ذلك، فقال: إن الذى بينى وبينه وقع لم يبلغ إلى ديننا" أخرجه ابن أبى الدنيا يعنى أن يأثم بعضنا في بعض، فلم يسمع السوء في أخيه. انتهى.
والذى في "الإحياء" روى أنه كان بين خالد بن الوليد وبين سعد كلام فذكر رجل خالدًا بسوء عند سعد فقال سعد: مه إن ما بيننا لم يبلغ ديننا، يعنى أن يأثم بعضنا في بعض فلم يسمع السوء فكيف يجوز أن يقوله؟
ومن البدع السيئة أنهم يجوبون البلاد بتلاميذهم ويكلفون أهلها فوق طاقتهم والناس بحكم الرياء والسمعة أو التوريط، يتكلفون ذلك طائعين أو غير راضين، وربما تأثرت البسطاء بحسن هيئة هؤلاء فوقعوا في هذا التكلف وهم أحوج الناس
إلى ما ينفقون من أجلهم، هذا إلى ما يجره المتكلف على أهل بيته من المشاغل، فترى أهل المضيف يتسخطون من جراء العناء الذى ينالهم من كثرة العجن والطبخ الذى يكرههم عليه ذلك المضيف المفتون، وكثيرًا ما تكون النساء من ذوات الأولاد الرضع