فتشغل عنهم ويكثر الصياح والضجيج، والله أعلم بما في قلوبهم حينئذ نحو هؤلاء الثقلاء.
ذكر الإمام الشعرانى رحمه الله: أن كل طعام دخله التكلف فالأكل منه مذموم شرعًا لاسيما إن كان صاحبه لا يحلل ولا يحرم كغالب مشايخ البلاد، وكان سيدى على الخواص رحمه الله يقول: طعام المتكلفين يورث الظلمة في القلب لأنَّه كطعام البخيل على حد سواء، لكونه يطعم الضيف وعنده ثقل من ذلك، وفى الحديث:"طعام البخيل داء" ولذا لا ينبغى تناول أطعمة العرس الواسعة فإن الغالب على صاحبه التكلف فيه بما ليس من عادته وفوق طاقته.
وكان سيدى إبراهيم المتبولى رحمه الله يقول: كل فقير لا يقدره الله تعالى على أن يمد صاحب الطعام في البركة الخفية طول عامه فليس له أن يمد يده إلى طعامه، فإن أكل من غير إمداد ولا مكافأة فقد أكل بدينه ونقص مقامه بذلك.
وكان الخواص رضي الله عنه يقول: لا ينبغى لفقير أن يمد يده لطعام إنسان إلا أن يشاركه في بلاء تلك السنة كلها أو يحمله عنه كله، وعاب على من تجول في البلاد ومعه جماعة بكثرة، وقال له: إن جميع أعمالك كل يوم لا تفى بثمن الطعام الذى تأكله بالمحاباة يوم القيامة، وكان من عادة المشايخ أنهم لا يذهبون إلى الطعام بدون دعوة وإذا دعوا ذهبوا وحدهم أو مع جماعة قليلة بشرط إعلام صاحب الطعام بهم وانشراح صدره وطيب خاطره بذلك وما درج السلف الصالح إلا على العفة وعدم الشهرة.
ومن هذا تعلم أن كل فقير ليس عنده حال يحمى به صاحب الطعام من البلاء أو يمده بالبركة في طعامه فأكله من ذلك الطعام قلة مروءة وعدم عفة وخروج عن طريق أهل الله الصالحين الذين يزعم أنه على طريقهم.
(فإيَّاك) يا أخى إذا نزلت بلاد الريف أن تأكل من طعام من لا تكافئه، كما عليه مشايخ الحرف والمتساهلون في دينهم وكرامتهم من رجال الدين، ينزل أحدهم مع جماعته على من عرف بالكرم يومًا أوأيامًا ثم يذهبون من غير مكافأة ولا إرشاد