للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حكمته البالغة وعلمه بشئون خلقه، ولو كان السبب في هذا التفاوت جهد الإنسان وعقله لوجب أن يكون الأعقل أفضل في الرزق من غيره فلما رأينا الأعقل أقل نصيبًا، وأن الأجهل الأخس أوفر حظًّا، علمنا أن ذلك بسبب قسمة العليم الحكيم كما قال تعالى: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} (١) وهذا التفاوت غير قاصر على المال، بلى هو حاصل أيضًا في العقل والحمق والصحة والسقم والحسن والقيح والذكاء والبلادة والعز والذل {وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ ..... } (٢).

وإذا قارن المرء بين ملك كثير المال عظيم الجاه لا يستطيع تناول الأطعمة الشهية والفواكه العطرة، ولا يقوى على ركوب الجياد، وإتيان النساء، وبين فقير صحيح المزاج قوى البنية كامل القوة، لا يجد ملء بطنه طعامًا، فذلك الملك وإن كان يفضل على هذا الفقير في المال والجاه إلا أن الفقير يفضل على ذلك الملك في الصحة والقوة، وهذا باب واسع إذا نظر فيه الإنسان عظم تعجبه منه، ولكن من علم أن ذلك تقدير العزيز العليم زال تعجبه وسكنت نفسه، والله تعالى الموفق والهادى إلى سواء السبيل.

ومن البدع الاعتقادية أنك ترى بعض العامة يتجرون بالكشف عن المغيبات ويوهمون البسطاء من الرجال والنساء أنهم أولياء الله، وربما أخبروا ببعض ضمائر من يحضرون عندهم، فيقع الاعتقاد بأنهم من أرباب الأحوال ومن عباد الله المقربين، مع العلم بأنهم يأتون المنكر من اختلائهم بالأجنبيات وأكل أموال الناس بالباطل. ووجه الخطأ في ذلك أن الولاية لا تكون إلا لعباد الله المتقين، وأما إخبارهم بالضمائر فسببه أمران:

(الأول): أن بعض النفوس يوجد فيها استعداد خاص تتمكن به من الاستطلاع على ما تكنه نفس أخرى، فيظن أنه من طريق الإلهام.

(والثانى): أن الشياطين يوحون إليهم ما يأخذونه من شياطين من يحضرون عندهم، فقد روى ابن عباس رضي الله عنهما: "أن وسواس الرجل يخبر وسواس الرجل فمن ثم يفشو … " الحديث، وجاء عن عمر رضى الله تعالى عنه، أنه حدثته نفسه بشيء، ولم يظهره لأحد فوجده مع الناس فقال:


(١) [سورة الزخرف: الآية ٣٢].
(٢) [سورة آل عمران: الآية ٢٦].

<<  <   >  >>