فهذه الأحاديث صريحة في النهى عن إتيان الكهان والمنجمين والعرافين وأصحاب الرمل والطوارق بالحصى ونحو ذلك.
والكاهن: هو الذى يتعاطى الخبر عن الأمور المستقبلة ويَدَّعى معرفة الأسرار فيخبر عن بعض المضمرات فيصيب بعضها ويخطئ أكثرها قد كان في العرب كهنة كشق وسطيح وغيرهما، فمنهم من كان يزعم أن له تابعًا من الجن يلقى إليه الأخبار، ومنهم من كان يزعم أنه يعرف الأمور بمقدمات وأسباب يستدل بها على مواقعها من كلام من يسأله أو فعله وحاله، وهذا يخصونه باسم العراف كالذي يدعى معرفة الشئ المسروق من الذى سرقه ومكان الضالة ونحوها.
وعلم أن المنهى منه من علوم النجوم هو ما يدعيه أهلها من معرفة الحوادث المستقبلة كنزول المطر، وهبوب الريح، وتغير الأسعار، ورقى فلان، وسقوط فلان زاعمين، "أنهم يعلمون ذلك بسير الكواكب واقترانها وظهورها في بعض الأوقات، وهذا علم استأثر الله به لا يعلمه سواه، فأما ما يدرك من طريق المشاهدة من علم النجوم الذى يعرف به الزوال وجهة القبلة، وكم مضى صت الليل والنهار، وكم بقى فإنه غير داخل في النهى. أفاده الحافظ المنذري والله تعالى أعلم.
(فائدة): طال نزاع العلماء في مسألة الغيب واستئثار الله به، فمنهم من يقول: المختص به تعالى معرفة كل غيب، وأما معرفة البعض فيجوز لغيره تعالى بنحو وحى أو إلهام أو تنجيم أو زجر أو خط (رمل) وهؤلاء يجعلون الاستثناء في قوله تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (٢٦) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} (١) منقطعًا، فإن الاطلاع على جميع الغيب لم يقع لرسول ولا غيره لا إجمالًا ولا تفصيلًا. (وذهب بعضهم) إلى أن المختص به تعالى علم الغيب بلا واسطة، وغيره إذا عرفه فبالواسطة قال العلامة الألوسى ما ملخصه:
ولعل الحق أن يقال: إن علم الغيب المنفى عن غيره -جَلَّ وَعَلَا- هو ما كان للشخص لذاته بلا واسطة في ثبوته له، وهذا ممَّا لا يعقل لأحد من أهل السموات والأرض، وما وقع للخواص ليس من هذا العلم المنفى في شيء ضرورة أنه من الواجد -عَزَّ وَجَلَّ- أفاضه عليهم بوجه من وجوه الإفاضة