الطبيب الحاذق، وإطلاق علم الغيب على ذلك فيه ما فيه، وإن أبيت إلا تسمية ذلك غيبًا فالعلم به لكون بواسطة الأسباب لا يكون من علم الغيب المنفى عن غيره تعالى في شيء، وكذا كل علم بخفى حصاد بواسطة سبب من الأسياب كعلمنا بالله تعالى وصفاته العلية وبالجنة والنار ونحو ذلك.
(وبالجملة) علم الغيب بلا واسطة كلا أو بعضًا مخصوص بالله عز وجل لا يعلمه أحد من الخلق أصلًا. انتهى.
وذهب بعضهم إلى أن المختص به تعالى علم الغيب بمعنى اليقين به، أما ظنه المحتمل للخطأ فلا، فالأولياء وإن كان قد ينكشف لهم بعض الأشياء لكن علمهم لا يكون يقينيًّا وإلهامهم لا يفيد إلا أمرًا ظنيًّا، ومثل هذا، بل دونه بمراحل علم النجومى نحوه بواسطة أمارات عندهم بنزول الغيث وذكورة الحمل أو أنوثته أو نحو ذلك، ولا يعد كافرًا من يدعى هذا العلم فإنه ظن عن أمر عادى، قال في "فتح البارى" عن القرطبى: من ادعى علم شيء من الخمس المذكورة في آية: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ … }(١) غير مسند إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم كان كاذبًا في دعواه، وأما ظنّ الغيب فقد يجوز من المنجم وغيره إذا كان عن أمر عادى وليس ذلك بعلم. انتهى.
(وصفوة القول) أن ما عند المنجم، والرمال، والذي يضرب بالحصى،
ونحوهم ليس علمًا حقيقيًّا وإنما هو ظن وتخمين مبنى على أمارات عادية كثيرًا ما تتخلف ويظر كذبهم فيها، وقد أكذبهم الشرع ونهى عن تصديقهم وإتيانهم، ولعل النهى عن ذلك لغلبة الكذب في كلامهم، ولإيهامهم العامة أن عدم الغيب لا يختص به تعالى بوجه من وجوه الاختصاصات السابقة وهو ما ننكره على المنجمين ونحوهم، ولذا قال العلَّامة ابن حجر في فتاويه الحديثية: تعلم الرمل وتعليمه حرام شديد التحريم، كذا فعله لما فيه من إيهام العوام أن فاعله يشارك الله في غيبه، وما استأثر بمعرفته، ولم يطلع عليه إلا أنبياءه ورسله. انتهى باختصار، فاغتنم هذا التحرير احفظه فإنه نفيس.
فإن قيل ثبت في صحيح مسلم عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الخط، فقال: "كان نبى من الأنبياء يخط