للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

خشى عمر رضي الله عنه نظرًا لمكانة يزيد أن يقتدى به عامة الناس وخاصتهم، فينقادون لشهواتهم ويتنافسون في طيبات الأطعمة ويقعون في التكلف المنهى عنه، وإلا فأصل التوسع في اللذيذ من المأكل والمشرب مباح كما تقدم.

ولو وقف الابتداع عند التوسع بالمآكل في الولائم لهان الخطب، ولكن الداهية العظمى التوسع فيما يمكن الاستغناء عنه من صرف الأموال للمطربين، والمضحكين، والراقصات والمغنيات، وغير ذلك من أنواع الفساد، فإن صرف المال في مثل ذلك وبال منكر (مثل): حرق الثوب أو تمزيقه وهدم البناء من غير غرض وإلقاء المال في البحر من غير موجب.

(فائدة): وأما الإسراف فإن كان صرفًا للمال في أنواع الفساد فحرام مطلقًا وإن كان في جنس المباحات لكن مع المبالغة فحرام إن كان يتضرر هو أو عائلته بذلك، فمثل هذا يجب منعه والضرب على يده قال تعالى: {وَلَا تَبْسُطْهَا

كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا} (١) منقطعًا عن المقاصد والمطالب بما جلبته على نفسك من الفقر والفاقة حتى أصبحت صفر اليدين، نزلت في رجل بالمدينة قسم جميع أمواله ولم يبق شيئًا لعياله فطولب بالنفقة فلما يقدر على شيء وقال تعالى: { … وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (٢٦) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا} (٢) فقد نعى على التبذير وأهله بجعلهم من إخوان الشياطين، والمراد المماثلة التامة في عمل الشر، أو أنهم قرناؤهم في كفران أنعم الله التى أنعمها عليهم، فبدلًا من أن يشكروه عليها بامتثال أمره في شأنها وضعوها في غير مواضعها، فانقلبت عليهم نقمًا وكانوا في العذاب مع الشياطين {وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا} كثير الكفران عظيم التمرد عن الحق؛ لأنَّه مع كفره لا يفعل إلا الشر ولا يدعو إلا إليه، ولا يوسوس إلا بما لا خير فيه، وفي الحديث المرفوع: "مِنْ فِقْهِك رِفْقُك في معيشتك "، وأخرج البيهقي عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا: "الاقتصاد في النفقة نصف المعيشة" ومعناه: أن العيشة تقوم على ركنين: الكسب والاقتصاد في الإنفاق فإذا انعدم الاقتصاد انهدمت المعيشة بسقوط أحد ركنيها فإن لم يتضرر بذلك كأن كان كثير المال فهو إسراف مكروه.


(١) [سورة الإسراء: الآية ٢٩].
(٢) [سورة الإسراء: الآيتان ٢٦، ٢٧].

<<  <   >  >>