للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الضيف عن مكارم الأخلاق، فعن على بن الحسين: من تمام المروءة خدمة الرجل ضيفه كما خدمهم أجونا الخليل إبراهيم عليه السلام بنفسه وأهله حيث قال تعالى: {فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (٢٦) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ} (١) دل على خدمته بنفسه فإنه لم يقل فأمر لهم، بل هو الذى ذهب وجاء به بنفسه ولم يبعثه مع خادمه، وهذا أبلغ في إكرام الضيف، فهذا أدب خليل الرحمن وأبى الأنبياء وإمام الحنفاء الذى اتخذه الله خليلًا وجعل في ذريته النبوة والكتاب، وهو شيخ الأنبياء كما سماه النبي -صلى الله عليه وسلم- بذلك، فإنه عليه الصلاة والسلام لا دخل الكعبة وجد المشركين قد صوروا فيها صورته وصورة ابنه إسماعيل وهما يستقسمان بالأزلام فقال: "قاتلهم اللَّه لقد علموا أن شيخنا لم يكن يستقسم بالأزلام".

ومن الأدب الذى اشتمل عليه ضيافة الخليل عليه السلام أنه لم يستأذن ضيفه في إحضار الطعام، بل راغ إلى أهله، أي ذهب في اختفاء بحيث لم يشعر الضيف

إلا وقد جئ إليهم بالطعام، والناس اليوم لغلبة الشح عليهم واستثقالهم أمر الضيافة قلما يحضرون الطعام إلا بعد الاستئذان، ويودون في أنفسهم حين الاستئذان ألا يأذن ويعتذر، وربما غلبه الحياء من طلب الطعام فيشق على نفسه.

(ومن الأدب) بعد إحضار الطعام أن يتلطف صاحب الضيافة ويدعو بنفسه الضيف إلى تناول الطعام بنحو (تفضل علينا تكرم علينا بتناول الطعام) كما قال الخليل عليه السلام: {أَلَا تَأْكُلُونَ}، فإنه عرض وتلطف في القول بخلاف (كلوا مدوا أيديكم).

ومن البدع غير الحسنة توديع الضيف داخل المنزل أنفة وكبرًا، والسنة أن يرافقه إلى باب المنزل ثم يودعه، وينبغى للضيف ألا يمنع المضيف من ذلك ويقسم عليه، فعن ابن عباس رضي الله عنهما: "من السنة إذا دعوت أحدًا إلى منزلك أن تخرج معه حتى يخرج "، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " إن من السنة أن يخرج الرجل مع ضيفه إلى باب الدار " رواه ابن ماجه وغيره، عن الشعبى رحمه الله: من تمام زيارة الزائر أن تمشى معه إلى باب الدار وتأخذ بركابه، وعن ابن عباس رضي الله عنهما: " من أخذ بركاب رجل لا يرجوه ولا يخافه غفر له " وكان يأخذ بركاب زيد بن ثابت رضي الله عنه فقال:


(١) [سورة الذاريات: الآية ٢٦، ٢٧].

<<  <   >  >>