للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لأن طريقة اليانصيب عند التأمل البسيط تكاد تتفق والطريقة التى كان يفعلها العرب في الجاهلية بالأقداح.

وهى أنه كانت لهم أقداح هى الأزلام، والأقلام الفذ، والتوأم، والرقيب، والحلس (ككتف) والمسبل، والمعلى، والنافس، والمنيح، والسفيح، والوغد، يجعلون لكل واحد منها نصيبًا معلومًا من جزور ينحرونها ويجزئونها عشرة أجزاء، وقيل: ثمانية وعشرين، ولا يجعلون لثلاثة منها نصيبًا، ثم يضعون الأقداح في الربابة وهى خريطة، ويضعونها على يد عدل منهم، ثم يهزها ويدخل يده فيخرج باسم رجل قِدْحًا منها، فمن خرج له قِدْحٌ من ذوات الأنصباء أخذ النصيب الموسوم

به، ومن خرج له قدح ممَّا لا نصيب له لم يأخذ شيئًا وغرم ثمن الجزور كله، وكانوا يدفعون تلك الأنصباء إلى الفقراء، ولا يأكلون منها ويفتخرون بذلك ويذمون من لم يشترك فيه.

وقد نعى الله عليهم هذا نهى عنه وإن كان فيه نفع، قال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا … } (١) والميسر: القمار من اليسر بمعنى السهولة، والإثم: الضرر والمفسدة، ومنافع الخمر لدى الناس أهمها أنها مورد كبير للثروة، ومن منافع الميسر مواساة الفقراء كما علمت من عادة العرب، ومنها سرور الرابح، وصيرورته غنيًّا من غير تعب وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٩٠) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} (٢). والأنصاب: حجارة كانت العرب تعبدها وتذبح عليها، والأزلام: أقداح، أي قطع رقيقة من الخشب بهيئة السهام كانوا يستقسمون بها في الجاهلية لأجل التفاؤل أو التشاؤم، وأما الرجس: فهو المستقذر حسًّا أو معنى.

فأنت ترى أن الله تعالى حرم اليسر لأنَّه أخذ مال الغير بيسر وسهولة من غير كد ولا عناء لما في ذلك من الإضرار بصاحب المال، وما ينجم عنه من خصومات ومنازعات، وقد تؤدى إلى سفك الدماء، ولم يعتبر -جَلَّ شأْنهُ- ما في بعض طرق الميسر من نفع؛ لأن القاعدة التى يقرها الشرع


(١) [سورة البقرة: الآية ٢١٩].
(٢) [سورة المائدة: الآيتان ٩٠، ٩١].

<<  <   >  >>