فقد كان وهو بالمدينة يأمر بمخالفة أهل الكتاب (اليهود والنصارى) كما أمر بصبغ الشيب لأنهم لم يكونوا يصبغون، ففى الصحيحين عن أبي هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم ". أمر بالصبغ مخالفة لهم إذ كان تركه إذ ذاك من شعارهم، وهو يقتضى أن يكون جنس مخالفتهم أمرًا مقصودًا للشارع، والمأمور به صبغ الشعر بغير السواد، أما هو فلا إلا في الجهاد كما تقدم، وروى أحمد وابن ماجه والطبرانى عن أبى أمامة رضى الله عنه قال: قلنا: يا رسول الله إن أهل الكتاب يتسرولون ولا يأتزرون، فقال -صلى الله عليه وسلم-: " تسرولوا وأْتزروا وخالفوا أهل الكتاب ": أي فأمر صلوات الله وسلامه عليه بالجمع بين الأمرين ولم يأمر بترك السراويل ألبتة لمخالفتهم.
إذ الغرض أن يكون للمسلمين مشخصات من العادات خاصة بهما، ولا يكونوا مقلدين؛ لأن الاستقلال في العادات وغيرها ممَّا يعد من مميزات الأمم التى تعرف بها، يزيد استقلال الأمة قوة ورسوخًا في مقوماتها الملية كالدين، واللغة، الآداب ما يسمونه (الثقافة القومية) ولذا كان عمر رضي الله عنه يوصى قواده الفاتحين لبلاد الأعاجم وعماله فيها بالمحافظة على عادات العرب وزيها وينهاهم عن التشبه بالأعاجم، وفى الحديث:" ليس منا من تشبه بغيرنا " ذكره الحافظ ابن حجر الذى كان يسمى أمير المؤمنين في الحديث نقلًا عن الحافظ الترمذى، ويا ويل من تبرأ منه الحبيب المصطفى صلوات الله وسلامه عليه، وقال صلوات الله وسلامه عليه:"من تشبه بقوم فهو منهم" حديث حسن رواه ابن رسلان وأبو داود عن ابن عمر والطبراني في "الأوسط" عن حذيفة، وهو صريح في أن من تشبه من المسلمين بغيره في لبسه الخاص به فهو على طريقته اعتقادًا أو عملًا.
فمن لبس القبعة ميلًا إلى دينهم أو استخفافًا بدينه فهو كافر بإجماع المسلمين، ومن لبسها تشبهًا فإن اقترن بها ما هو من شعائر دينهم كدخول كنيسة فهو كافر أيضًا، وإن لم يقترن بها ذلك فهو آثم، قال الحافظ