للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا} (١) والمراد منه هنا المعنى الأول العام؛ فالمشرك والمشركة الكافر والكافرة مطلقًا بدليل المقابلة في قوله تعالى: {وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ} (٢) {وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ} (٣)، ويؤيده قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ … } (٤) فإن الكفار فيه عام لما عدا المؤمنين، وعلى هذا فالذى أفادته الآية شيئان: تحريم المشركة (الكافرة مطلقًا) على المسلم وتحريم المسلمة على الكافر

مطلقًا. (أما) العموم في الثانى فهو مراد إجماعًا لم يدخله تخصيص لعدم وجود مخصص، وللتنصيص على هذا العموم في قوله تعالى: { … فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ … } الآية، ولقوله عليه الصلاة والسلام: "تزوجوا نساء أهل الكتاب ولا تزوجوهم نساءكم" رواه جابر بن عبد الله رضى الله عنه.

(وأما) العموم في الأول فمخصص بآية: { … وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ … } (٥) المحصنات: الحرائر أو العفائف؛ لأنها أفادت جواز نكاح المسلم الكتابية، وإنما حرم تعالى نكاح الكتابية أولًا ثم أباحه ثانيًا مراعاة للمصلحة فما الحالتين.

أما التحريم أولًا فلمصلحة المؤمنات المهاجرات لقلة الرجال وكثرتهن ابتداء فحرمت غير المسلمة على المسلم كما ورد فيما أخرجه ابن جرير: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن أصناف النساء إلا ما كان من المؤمنات المهاجرات وحرم كل ذات دين غير الإسلام ".

وأما الإباحة ثانيًا فلمراعاة مصلحة الرجال لكثرتهم في هذا الحال، فأنت ترى أن الله تعالى قد شرع ما فيه الخير في الحالتين.

وأما حكمة عدم تخصيص العموم في الثانى فدفع المفسدة لأن في إباحة المؤمنة للكافر مفاسد لا تحصى، وذلك أن الحكمة الإلهية اقتضت جعل الرجال قوامين على النساء بسببين: وهبى، وهو الفضل في العقل والدين وسائر المواهب، وكسبى، وهو الإنفاق من الأموال، وبهذا خص الرجل بمهام الأمور كالنبوة والرسالة والإمامة صغرى وكبرى، وإقامة الشعائر كالأذان والخطة والجمعة، وكالشهادة في كبريات القضايا، ومن توابع


(١) [سورة آل عمران: الآية ١٨٦]
(٢) [سورة البقرة: الآية ٢٢١].
(٣) [سورة البقرة: الآية ٢٢١].
(٤) [سورة الممتحنة: الآية ١٠].
(٥) [سورة المائدة: الآية ٥].

<<  <   >  >>