تنطع في الكلام: تعمق. وعنه أيضًا:"أيها الناس لا تبتدعوا ولا تنطعوا ولا تعمقوا وعليكم بالعتيق خذوا ما تعرفون ودعوا ما تنكرون "، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: عليكم بالاستفاضة والأثر وإياكم والبدع.
ومن كلام عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه الذى عنى به وبحفظه العلماء كان يعجب مالكًا جدًّا رحمه الله أنه قال:"سن رسول الله صلى الله عليه وآله سلم وولاة الأمر من بعده سننًا الأخذ بها تصديق لكتاب الله واستكمال لطاعة الله وقوة على دين الله، ليس لأحد تغييرها ولا تبديلها ولا النضر في شيء خالفها، من عمل بها مهتد، ومن انتصر بها منصور، رمق خالفها اتبع غير سبيل المؤمنين وولاه الله ما تولى وأصلاه جهنما وساءت مصيرًا". وولاة الأمور فيه هم الخلفاء الراشدون كما في حديث العرباض. وكيف لا يعجب الإمام مالكًا رحمه الله وهو على إيجازه جمع أصولًا حسنة من السنة، فإن قوله:"ليس لأحد تغييرها ولا تبديلها ولا النظر في شيء خالفها" قطع لمادة الابتداع جملة. وقوله:"من عمل بها فهو مهتد … " إلخ الكلام مدح لمتبع السنة وذم لمن خالفها بالدليل الدال على ذلك وهو قوله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} " (١).
وكان الشعبي رحمه الله تعالى إذا نظر إلى ما أحدث الناس من الرأى والهوى يقول: لقد كان القعود في هذا المسجد أحب إلى مما يعدل به، فمذ صار فيه هؤلاء المراءون، فقد بغضوا إلى الجلوس فيه، ولأن أقعد على مزبلة أحب إلى من أن أجلس فيه.
وعن مقاتل بن حيان قال: أهل هذه الأهواء آفة أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- أنهم يذكرون النبي -صلى الله عليه وسلم- وأهل بيته فيتصيدون بهذا الذكر الحسن الجهال من الناس فيقذفون بهم في المهالك، فما أشبههم بمن يسقى الصبر باسم العسل، ومن يسقى السم القاتل باسم الترياق، فأبصرهم فإنك إن لا تكن أصبحت في بحر الماء فقد أصبحت في بحر الأهواء الذى هو أعمق غورًا وأشد اضطرابًا، وأكثر صواعق، وأبعد مذهبًا من
البحر وما فيه، ففلك مطيتك التى تقطع بها سفر الضلال اتباع السنة.